ومنها : التخصيص ، أي تقدّر أنك المقصود بكلّ خطاب فيه من الأمر والنهي والوعد والوعيد ، إذ ما من شيء في القرآن الا وسياقه لفائدة في حقّ النبي صلىاللهعليهوآله وأمّته. قال تعالى : ( لنثبّت به فؤادك ). (١)
فالقرآن كلّه هدى وشفاء ورحمة ونور وموعظة ، فقدّر أنّ مولاك كتب لك كتاباً لتدبّره وتعمل بمقتضاه.
ومنها : التأثّر ، أي يتأُثّر قلبه بآثار مختلفة بحسب اختلاف الآيات ، فيكون له بحسب كلّ فهم حال من الخوف والحزن والوجد والفرح والرجاء والقبض والانبساط ، فإذا سمع المخوّف اضطرب قلبه وتضاءل من الخوف كأنّه يموت ، وإن سمع الرحمة والمغفرة فليفرح ويستبشر كأنّه يطير من الابتهاج ، وإذا سمع صفات جلاله تطأطاً خضوعاً واستشعاراً لعظمته ، وإذا سمع ذكر الكفّار وما يصفون به الله من الأولاد غضّ صوته بانكسار في قلبه وحياء من قبح مقالتهم ، وكذا غيرها ، ومهما تمّت المعرفة كان الغالب على القلب الخشية ، لكون التضييق غالباً في القرآن ، فلا ترى ذكر الرحمة والمغفرة الا مقروناً بشروط يقصر أغلب الناس عن نيلها ، ولذا كان بعض الأكابر يغشى عليه من استماعها ، بل مات بعضهم منه.
وبالجملة ؛ المقصد الأصلي استجلاب هذه الأحوال إلى القلب والعمل به ، والا فالمؤونة بتحريك اللسان خفيفة ، وحقّ التلاوة اشتراك اللسان والعقل والقلب فيها فاللّسان حظّه تصحيح الحروف بالترتيل ، وحظّ العقل إدراك المعاني ، وحظّ القلب تأثّره بالحالات المذكورة.
ومنها : الترقّي ، أي يرقى إلى أن يسمع الكلام من الله لا من نفسه ، وله درجات ثلاث ، أدناها تقدير العبد قراءته واقفاً بين يدي الله وهو ناظر إليه مستمع له ، فحاله حينئذ التملّق والتضرّع والسؤال ، وأعلى منه أن يرى بقلبه ربّه يخاطبه بألطافه يناجيه بإحسانه ، فمقاومه الهيبة والحياء والتعظيم
__________________
١ ـ الفرقان : ٣٢.