والإصغاء ، وأعلى منه أن يرى في الكلام المتكلّم ، وفي الكلمات الصفات ، فلا ينظر إلى نفسه ولا إلى تلاوته ولا إلى إنعامه ، بل يكون مقصور الهمّ مستغرقاً في مشاهدة المتكلّم ، وهذا حال المقرّبين والصدّيقين ، وقد أخبر عنها سيّد الشهداء عليهالسلام فقال :
« الذي تجلى لعباده في كتابه ، بل في كلّ شيء ، وأراهم نفسه في خطابه ، بل في كلّ نور وفيء ». (١)
وقال الصادق عليهالسلام : « لقد تجلّى الله لخلقه في كلامه ، ولكن لايبصرون ». (٢)
وقد سبق منّا نقل قوله عليهالسلام : « أردّدها حتّى سمعتها من المتكلّم بها ».
ومنها : التبرّي عن حوله وقوّته ، فلا يلتفت إلى نفسه بعين الرضا والتزكية ، فإذا قرأ آيات الوعد فلا يدخل نفسه في زمرتهم ، ولا يلاحظ الا أهل الصدق واليقين ، ويسأله تعالى أن يلحقه بهم ، وإذا قرأ آيات المقت والعذاب شهد على نفسه بها ، وإليه أشار مولانا علي عليهالسلام في وصف المتّقين :
« وإذا مرّوا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم ، وظنّوا أنّ زفير جهنّم في آذانهم ». (٣)
قيل : « وإذا رأى القاريء نفسه بصورة التقصير في القراءة كان رؤيته سبب قربه ، فإنّ من شهد البعد في القرب لطف له بالخوف حتّى يسوقه إلى درجة أخرى في [ القرب وراءها ، ومن شهد القرب في البعد مكر به بالأمن الّذي يفضيه إلى درجة أخرى في ] البعد أسفل ممّا هو فيه ، وإذا شاهد نفسه بعين الرضا صار محجوباً بنفسه ، وإذا جاوز حدّ الالتفات إلى نفسه ولم يشاهد الا الله في قراءته انكشف له الملكوت بحسب أحواله ، فحيث
__________________
١ ـ جامع السعادات : ٣ / ٣٧٧.
٢ ـ المحجّة البيضاء : ٢ / ٢٤٧.
٣ ـ نهج البلاغة : الخطبة ١٩٣.