يصفرّ لونه ويرتعد أعضاؤه ولا يستطيع أن يلبّي ، فقيل : لم لاتلبّي؟ فقال : أخشى أن يقول ربي : لالبّيك ، ولمّا لبّى غشي عليه وسقط من راحلته ولم يزل يعتريه ذلك حتّى يقضي حجّه. (١)
وليعتبر من هذا النداء نداء يوم النفخ في الصور ، وحشر الخلق من القبور عراة حفاة مزدحمين وإلى المقبولين والمردودين والمقرّبين والمرودين منقسمين مع كونهم جميعاً في أوّل الأمر متردّدين منسجمين (كذا).
ثم إذا دخل مكّة تذكّر دخوله للحرم الذي من دخله أمن فيرجو أمنه من عذاب الله وسخط ، مع الخوف عن الطرد والعبد واستحقاق الخيبة والمقت مع غلبة رجائه ، فإنّ شرف البيت عظيم وصاحبه بمن رجاه كريم ، وباب الرحمة واسع غير مسدود ، وحقّذ الوافد منظور ، والمستجير غير مردود ، وليشكر الله على إيصاله إلى بيته وإلحاقه بالزائرين له الوافدين إليه ، ويسأله أن يرزقه لقاءه كما رزقه الوصول إلى بيته.
ثمّ ليملأ قلبه عند الطواف من التعظيم والحبّ والخوف والرجاء وليتذكّر حينئذ أنّه متشبّه بالملائكة الطائفين حول عرشه ، وأنّ المقصود طواف القلب بذكر ربّ البيت لامجرّد طواف الجسم بالبيت ، فليبتديء في ذكره به ويختم به كما يبدأ في الطواف من البيت ويختم به ، فروح الطّواف طواف القلب بحضرة الربوبية والبيت مثال في عالم الشهادة لتلك الحضرة الغير المدركة بالبصر وهو عالم الغيب الذي يتوصّل إليه وإلى عالم الملكوت بعالم الشهادة لمن فتح له الباب.
ويشير إلى ما ذكرناه ما ورد من أنّ البيت المعمور في السماوات بإزاء الكعبة ، والملائكة يطوفون بها كطواف الإنس بها.
ثم يتذكّر عند استلام الحجر أنّه يمين الله في أرضه يصافح بها خلقه
__________________
١ ـ المحجة البيضاء : ٢ / ٢٠١.