ومن مناسباتها الخفيّة ما عرفت من ميله وقربه إليه تعالى في الصفات الربوبية والأخلاق الالهيّة وأمر بالتخلق بها حتّى يصير بها قريباً مناسباً منه.
وأمّا العليّة والمعلولية فظاهرة لا سترة فيه ، وباقي الأسباب ضعيفة نادرة ، واعتبارها نقص في حقّه تعالى.
ثم إنّه يتصوّر في الخلق مشاركة بعضهم لبعض في الصفة الموجبة للحبّ فيوجب ذلك نقصاً في حبّ بعض الشركاء ، والله تعالى لا شريك له ولا نظير في أوصاف الجلال والجمال وجوباً وجوباً وإمكاناً ، فلا يتصوّر في حبّه شركة ولايتطرّق إليه نقيصة ، فهو المستحقّ لأصل المحبّة وكمالها ، ولا متعلّق للمحبّة الا هو وإن لم يتمّ ذلك لأحد الا بالمعرفة التامّة ، فسبحان من احتجب عن أبصار العميان احتجاب الشمس عن أبصار الخفافيش غيرة على ماله من الجمال والجلال وتجلّى لأوليائه العرفاء بما له من البهاء والكبرياء حتى لم يحبّوا سواه ولم يحنّوا إلى ماعداه في حال من الأحوال.
تنوير
قد صرّح الحكماء بأنّ الأشياء المختلفة لاتتألّف تألّفاً تامّاً يحصل منه الاتّحاد بخلاف المتماثلات المتشالكة حيث يشتاق بعضها إلى بعض ويحصل منها الحبّ والوحدة والاتّحاد ، وذلك لأنّ التغاير من لوازم الماديّة ، فالجواهر البسيطة لكونها متشاكلة ومتماثلة يحنّ بعضها إلى بعض ويحصل من تألّفها اتّحاد حقيقي في الذات والحقيقة حتى لا يبقى بينها مغايرة واختلاف أصلاً والمادّيات لشدّة تباينها وتغايرها لو حصل بينها إلف وشوق كان غايته تلاقي السطوح والنهايات دون الحقائق والذوات ، فلا يبلغ درجة الاتّحاد والجوهر البسيط المودع في الانسان أعني الروح الانساني إذا صفا عن أخباث الطبيعة وخلص عن سجنها بالتطهّر عن العلائق المادّية وتخلّى عنها انجذب بحكم المناسبة المشار إليها إلى عالم القدس واشتاق إلى أشباهه من الذوات النورية المجرّدة. ثم إلى نور الأنوار ومنبع الخيرات واستغرق في مشاهدة جمال الحق