قلت : لابدّ من التأويل وصرف اللفظ عن معناه الظاهر بعد البرهان القاطع على استحالته بأنّ المراد كشف الحجاب عن قلبه حتّى يراه به وتمكينه من التقرّب إليه وإرادته له في الأزل لا لحصول كمال له بذلك تعالى عن ذلك ، بل كما أنّ الملك قد يقرّب عبداً له إليه لا للانتفاع به واستخدامه لحوائجه بل لكونه موصوفاً من مرضيّ الأخلاق ومستحسن الخصال بما يليق به أن يكون قريباً من حضرته من دون غرض يعود إليه في ذلك ، فرفع الملك الحجاب بينه وبينه إذا اكتسب ما يقتضيه يسمّى حبّاً له ، ويقال توصّل العبد وحبّب نفسه إلى الملك ، والقرب المستعمل هنا ليس على حذو مايستعمل في الأجسام من القرب في الجهة والمكان ، تعالى الله عن تغيّرات المكان والجهة والزمان ، بل لايزال تعالى شأنه في نعوت الجلال والجمال على ما كان عليه في أزل الآزال.
وكما أنّ القرب المحسوس بين الشخصين قد يحصل بترّحكهما معاً وقد يكون بسكون الآخر مع تحرّك أحدهما فيحصل التغيّر في المتحرّك دون الساكن ، وكذا في الصفات كتقرّب التلميذ إلى الاستاذ مع سكون الاستاذ في مرتبته الحاصلة له بالفعل ، فكذا تقرّب العبد بالنسبة إلى الله تعالى بكمال العلم والإحاطة بحقائق الأشياء والتجرّد عن المادّيات والتشبّه به في صفاته وأفعاله ، وإن كان يتصوّر في التلميذ بلوغه بل تجاوزه عن درجة الأستاذ لتناهيها ، ولايمكن هنا لتناهي كمالات العبد وعدم تناهي معلومات الله وكمالاته فلا مطمع في المساواة ، ولذلك يتفاوت درجات القرب إلى مالا نهاية لها لعدم انتهاء ما يتقرّب إليه. فهذا محبّة الله للعبد.
ويمكن أيضاً أن يراد معناه الحقيقي ويكون الإسناد مجازياً أي بالعرض ، فإنّ محبّة الله لذاته حقيقة فمحبّة للعبد راجعة إلى محبّته لذاته ،