فمن علم أنّه لايمكن الوصول واللقاء الا بالموت والفناء أحبّذ الموت لامحالة ، إذ لايثقل على المحبّ السفر عن الوطن إلى مستقرّ المحبوب ليتنعّم بمشاهدته ، والموت مفتاح اللقاء.
قال النبي صلىاللهعليهوآله : « من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه ». (١)
وقال السجّاد عليهالسلام : « حبّب إليّ لقاءك وأحبب لقائي واجعل لي في لقائك الراحة والفرج والكرامة ». (٢)
ولذا قال تعالى :
( قل يا أيّها الّذين هادوا إن زعمتم أنّكم أولياء لله من دون الناس فتمنّوا الموت إن كنتم صادقين ). (٣)
فكراهة الموت غالباً إنّما يكون لحبّ الدنيا والعلاقة بها ولن يجتمع حبّان في قلب واحد كما عرفت.
( ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ). (٤)
سيّما إذا فرض تنافيهما وتعاديهما وكونهما كالضرّتين لايجتمعان ، وقد علمت أنّ الدنيا عدوّة لله ولأوليائه ، فكيف يجتمع حبّ المتعاديين في قلب واحد وبقدر حبّه للدنيا يكون خالياً عن حبّ الله ، ويكون نعيمه بلقاء الله عند القدوم عليه على قدر حبّه ، وعذابه بفراق الدنيا عند الموت على قدر حبّها وكثيراً ما يكره الموت لكثرة المعاصي وعدم الاستعداد لللقاء.
فإن كان في هذا الحال سالكاً سبيل الآخرة ساعياً في تحصيل الزاد والاستعداد وكان كراهته للموت مخافة أن لايكمل لقاءه للحبيب على النهج الذي يريده فهو لاينافي الحبّ لله ، بل هو كالمحبّذ الذي وصل الخبر بقدوم حبيبه عليه فأحبّ أن يتأخّر ساعة ليهدي له داره ويعدّ أسبابه فيلقاه كما يهواه
__________________
١ ـ المحجّة البيضاء : ٨ / ٦٨.
٢ ـ مفاتيح الجنان : دعاء أبي حمزة الثمالي.
٣ ـ الجمعة : ٦.
٤ ـ الاحزاب : ٤.