فارغ القلب عن المشاغل خفيف الظهر عن العوائق. وعلامته المواظبة على العمل استغراق الهمّ في الاستعداد.
وإن كان مع بقاء الغفلة والذهول وتثقيل الظهر بالمعاصي الجديدة وتسويف النفس بالآمال من دون إنابة واستعداد ، فمآل كراهته في الحقيقة إلى كراهة لقاء الله وعدم حبّه له ، وحبّه للدنيا وأسره تحت حكم الشهوات أيضاً.
ومنها : إيثار محابّ الله على ما يحبّه في ظاهره وباطنه من الشهوات والكسل في الطاعات بالاجتهاد في الطاعة ولزوم المراقبة والمرابطة ومزايا الدرجات.
وبالجملة ، يترك هوى لنفسه لهوى محبوبه.
أريد وصاله ويريد هجري |
|
فأترك ما أريد لما يريد |
وقال آخر :
وأترك ما أهوى لما قد هويته |
|
وأرضى بما ترضى وإن سخطت نفسي |
بل إذا غلب الحبّ قمع الهوى فلا يبقى له تنعّم بغير المحبوب.
روي أنّ زليخا لمّا تزوّجها يوسف كانت تسوّفها وتهرب منه منقطعة إلى الله تعالى ، متخلّية للعبادة ، فلمّا أصرّ عليها قالت : إنّما كنت أحبّك قبل أن أعرفه ، والآن ما أبقت محبّته محبّة لسواه ، وما أريد به بدلاً. (١)
وبالجملة : الصادق في الحبّ لايعصي حبيبه.
تعصي الإله وأنت تظهر حبّه |
|
هذا لعمري في الفعال بديع |
لو كان حبّك صادقاً لأطعته |
|
إنّ المحبّ لمن يحبّ مطيع |
هذا ، وقد قيل : إنّ العصيان لاينافي أصل الحبّ ، وإنّما ينافي كماله ، فكم من مريض يأكل ما يضرّه مع حبّه لنفسه ضرورة ، ولذا أنّ نعيمان لمّا حدّه
__________________
١ ـ إحياء العلوم : ٤ / ٣٣١.