فتسمّى هذه الحالة في الانزعاج شوقاً ، وإذا غلب عليه الفرح بالقرب والحضور وحصول ماتيسّر له بالفعل من الانكشاف ومطالعة الجمال الحاضر المكشوف له من دون التفات إلى ما لم يدركه سمّي استبشاره بذلك أنساً ، وإن نظر إلى عزّ المحبوب وغناه وجلاله وعظمته وعدم مبالاته وكونه تحت لواء الخطر بزوال ما هو فيه وبعده ، تألّم قلبه من ذلك وسمي تألّمه المزبور خوفاً ، فالأنس معناه استبشار القلب وفرحه بمطالعة الجمال الأقدس ، فإذا غلب على القلب ذلك وتجرّد عن ملاحظة الغائب وخطر الزوال عظمت اللذّة ولابتهاج بما ناله فلا يكون شهوته الا في العزلة والخلوة والانفراد والمناجاة ، فإنّ الانس بالحبيب يستلزم التوحّش عن كلّ ما يعوق عن الخلوة ، فيكون من أثقل الأشياء على القلب ، ولذا كان رسول الله صلىاللهعليهوآله 9 لتضجّره وتبرّمه عن مصاحبه الناس يقول : « أرحني يا بلال » (١) حتّى يعود إلى قرّة عينه من مناجاة حبيبه.
ومن علامته الخاصّة ضيق الصدر من معاشرة الخلق واستهتاره بعذوبة الذكر ، فإن خالط فهو منفرد في جماعة ومجتمع في خلوة وغريب في حضر وحاضر في سفر ومشاهد في غيبة وغائب في حضور ومخالط بالبدن منفرد بالقلب كما قال علي عليهالسلام :
« هم قوم هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة فباشروه بروح اليقين واستلانوا ما استوعوه المترفون وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلّقة بالملأ الأعلى ، أولئك خلفاء الله في أرضه والدعاة إلى دينه » (٢).
ومنهم من أنكر الشوق والانس والحبّ ، بل أنكروا مقام الرضا أيضاً كما سبق الكلام في جميعها ظنّاً منهم أنّ الأنس يدلّ على التشبيه ، وهذا
__________________
١ ـ المحجّة البيضاء : ١ / ٣٧٧ ، وفيه : « أرحنا ».
٢ ـ المحجّة البيضاء : ٨ / ٨٠ ، نهج البلاغة : الحكمة : ١٤٧.