رأى منه المخالفة والعصيان فهل يحسن حينئذ تركه وتبديل حبّه ببغضه ومهاجرته وقطع أخوّته لما ذكر ، أو لابل يهتمّ بكلّ ما يمكنه من القول والفعل حتّى رياضة نفسه في التضرّع والدعاء له ليهديه الله إلى ما كان عليه أوّلاً ، وقد ذكرنا ما يغنيك في باب حقوق الإخوان.
ثمّ المعاصي لها درجات مختلفة بعضها أكبر وأشدّ من بعض ، وكذا البغض والهجران له مراتب مختلفة شدّة وضعفاً ، فينبغي أن يراعي الترتيب والمماثلة في الشدّة والضّعف. وهذا كلّه بعد النّصح والتلطيف في الكلام بالرفق واللّين بما سبق تفصيله في باب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر وباب حقوق المعاشرة.
وكثيراً ما يتّصف الإنسان بصفتين : إحداهما محمودة والأخرى مذمومة ، فلابدّ من موازنة إحداهما بالاخرى فيرجّح الأشد على لا أضعف ، بل لابدّ من ملاحظة الحيثّية ، فيحبّه من حيث صفته المحمودة ، بل من الجهة الكليّة العامّة المشتركة بين كلّ الممكنات في الانتساب إلى ربّ الأرباب ، بل يكون ملاحظته لهذه الجهة أكثر وأدوم ، ويبغضه من الجهة المذمومة ، ويوازن إحداهما بالاخرى ويعمل بمقتضى الجهتين معاً في السعي في الهداية والإرشاد ، والمنع بالكلام الطيّب والدّعاء والاستغفار له مهما أمكن ، وبالجملة ؛ لمّا كان المقصود من الحبّ والبغض شيء وراء ذات المحبوب والمبغوض ، وإنّما تعلّق الحبّ والبغض به واطلق عليه بالتّبع ، فالمعيار الكلّي مراعاة ماهو الأصل في ذلك.
واعلم أنّ من تمام الحبّ لله والوفاء ، أي الثبات عليه والمواظبة على مقتضياته ولوازمه وإدامته إلى الموت وما بعده مع أولاده ، وأصدقائه. وضدّه الجفاء وهو قطعه وترك لوازمه بالنسبة إليه أو إلى من ينتسب إليه في حياته أو بعد موته ، ولولا الوفاء لما كان للحبّ فائدة ، لأنّه إنّما يراد للآخرة ، فإن انقطع قبل الوصول إليها ضاع السعي وحبط العمل ، ولأنّها إن كانت لله فلا