بالطّبع ، والأشباء الباطنة خفيّة ، ولها أسباب دقيقة ليس في قوّة البشر الاطّلاع عليها. وإلى هذا القسم أشير في قوله صلىاللهعليهوآله : « الأرواح جنود مجنّدة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف » (١).
وهذا لايدخل في الحبّ في الله ، بل مرجعه إلى الطّبع وشهوة النّفس ، ولذا يتصوّر من غير المؤمن مع المؤمن وبالعكس ، فإن اتّصل به غرض مذموم كان مذموماً ، والا كان مباحاً.
والثاني حبّه لبنال منه محبوباً مفقوداً وراء ذاته من المحابّ الدنيويّة ، ولاريب في أنّ وسيلة المحبوب محبوب ، وهذا أيضاً مثل الأوّل.
والثالث كذلك الا أنّه من المطالب الأخرويّة كحب التلميذ للاستاذ ، فإنّ المقصود سعادة الآخرة ، وهذا يعدّ من الحبّ لله ، وكذلك العكس ، لأنّه ينال بواسطته رتبة التعليم ويستحقّ به التعظيم في ملكوت السماء.
والضابط أنّ كلّ من يحبّ أحداً لصفته أو فعله الذي يوجب تقرّبه إلى الله فهو من المحبّين في الله كحبّ من يخدمه من حيث إنّه يفرغه لتحصيل العلم والعمل ، وحبّ زوجته لأجل ذلك وما يضاهيه في القصد الصّحيح.
الرابع : حبّه لله وفي الله لا لينال منه علماً ولا عملاً أو يتوسّل به إلى شيء وراء ذاته ، بل من حيث إنّه صنع الله ومنسوب إليه إمّا بنسبة عامّة تشمل كلّ الممكنات أو خصوصيّة نسبة من يقرّبه إليه بعلم أو عمل ، وقد أشرنا إلى أنّ كلّ من يحبّ أحداً بالحبّ البالغ يسرى حبّه إلى كلّ من ينتسب إليه حتّى من يمدحه ويحفظ غيابه ، بل محلّه ومسكنه وبلده وطائفته ، كما قيل :
أمّر على الديار ديار سلمى |
|
اقبّل ذا الجدار وذا الجدارا |
وما حبّ الديار شغفن قلبي |
|
ولكن حبّ من سكن الديارا |
والبغض في الله بغضك كلّ من يعصي الله ويخالفه من حيث العصيان والمخالفة ، وقد مرّ الخلاف في أنّ من تصادق مع أخ له في الله ثمّ
__________________
١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٢٤٩.