القوى الثلاثة كالعلم ، أو لاترضى به شيء منها كالجهل ، أو ترضى به العاقلة دون الاخريين كالمكاره الدنيويّة أو بالعكس كالمعاصي ، فالعلم بالنظر إلى الجهل كالجنّة والنار ، حيث لاترضى شيء من الثلاثة بالثانية دون الاولى ، والدليل عليه انّ الألم في البعد عن المحبوب ، فكلّما كان أبعد كان الألم أشدّ ، فكون الاحراق أشدّ الآلام لغوضه في جميع الأجزاء وتفريق بعضها عن بعض ، وكذا اللذّة في الوصول إلى المطلوب ، فكلّما كان أغوص والمدرك أشرف وأكمل والمدرك أبقى وأنقى ، كان اللذّة أشرف وأعلى ، فمحلّ العلم الروح الذي هو أشرف من البدن ، والادراك بالعقل أغوصي والمعلوم هو الله ربّ العالمين ومخلوقاته ، فايّ شيء أشرف من ذلك فمن رضي بالعلم فقد خاض في جنّة حاضرة ، فيقال له بعد الموت : تعوّدت المقام بالجنّة فادخلها ، فمن رضي بالجهل فقد رضي بنار حاضرة فيقال له بعد الموت : تعودّت المقام بالنار فادخلها.
وأيضاً قد عرفت أنّ اللذّة العقلية أقوى من الحسيّة لادراكه حاقّ الشيء ولبّه ، بخلاف الحسّ ، فلا يدركه الا مخلوطاً كاللون المدرك بالعرض والطول والوضع وغيرها.
ولأنّه يراعي القوانين المنطقيّة العقليّة ، ولايزاحمه الوهم والوسواس فهو منزّه عن الخطأ والأدناس بخلاف الحسّ ، حيث يغلط في الادراك ، فيرى ما يساوي الأرض مقداراً كالقمر ، أو يزيد عليه أضعافاً كالشمس مقدار قرصة.
ولأنّ مدركاته ذوات نوريّة ، وكلّيات أزليّة لتغيّر لها وأمور غير متناهية بحسب الوجود والتناسب ، فتقويه وتزيده نوراً وبهاء بازدياد نورها وبهائها بخلاف الحسّ الغير المدرك الا المتغيّر المستحيل المتناهي المفسد له مع قوّة التذاذه به.
ولشهادة التجربة والوجدان برفض ألذّ اللذّات الحسيّة بمعارضة اللذّة