على أيّة حال فإنّ القرآن اعتمد تبيان هذا الإجمال في الآيات اللاحقة ، فبدأ أوّلاً بالنجوم وبيّن استدلال إبراهيم عليهالسلام في إبطال مذهب عبدة النجوم بهذا النحو : (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيهِ اللَّيلُ رَءَا كَوكَباً قَالَ هذَا رَبِّى).
التعبير بـ «رأى كوكباً» مع أنّ نجوماً كثيرة تظهر في الليل ـ فيه إشارة إلى نجم كبير ولامع لفت نظره إليه ، وبما أنّ كوكب «الزُهرة» يظهر أوّل الليل و (كوكب) يعني (النجم عند طلوعه) يتعزز بذلك التفسير الذي يميل إليه أغلب المفسّرين وهو أنّ النجم كان الزُهرة أو المشتري اللذين كانا يعتبران في العصور القديمة من الآلهة المعبودة عند المشركين ، ويؤيد ذلك ما ورد عن الإمام الصادق عليهالسلام في إحدى الروايات بأنّ هذا النجم هو كوكب الزُهرة.
على كلّ حال فإنّ هذا النجم لم يدم طويلاً حتى أفل ، فقال إبراهيم عليهالسلام : (... لَااحِبُّ الآفِلينَ).
مرّة اخرى التفت إبراهيم إلى بزوغ (القمر) من وراء الافق فأضاء السماء والأرض بنوره الأخاذ والجميل فقال إبراهيم عليهالسلام : (هَذَا رَبّى).
ولكن لم يدم طويلاً حتّى تعرّض القمر إلى مصير النجم واختفى وراء الافق وعادت السماء مظلمة ، (عندئذ قال إبراهيم عليهالسلام الذي كان يسعى للوصول إلى حقيقة وكنه المعبود : (لَئِن لَّم يَهِدِنى رَبّى لَأَكُونَنَّ مِنَ القَومِ الضالِّينَ).
وبهذه الطريقة تبين أنّ سعي الإنسان لا يكفي للوصول إلى الحقّ ، بل يجب أن يتعزز بالعون والعناية الإلهيّة وكي لا يكون من الضالّين ، ومن المؤكّد أنّ هذا الإمداد والعون يشمل الذين يجهدون أنفسهم في ابتغاء الحقّ ، وطلب معرفة الله سبحانه وتعالى.
وأخيراً انتهى الليل ، وأخذ الظلام يلم ستائره التي أسدلها على السماء ، وبزغت الشمس فجأةً بوجهها النيّر المتلألئ من الشرق وألقت بأشعتها الذهبية على الجبال والصحاري ، (فَلَمَّا رَءَا الشَّمسَ بَازِغةً قَالَ هَذَا رَبِّى هذا أَكبَرُ) (١).
__________________
(١) «الشمس» وإن كانت مؤنثاً مجازياً ويجب أن يشار إليها ب (هذه) ولكن نعلم أنّ قضيّة المذكر والمؤنث سهلة وهنا يمكن أن يكون (هذا) إشارة إلى (الموجود) أو (المشاهد).