ولكن بانتهاء النهار وسقوط الشمس في جوف الليل المظلم واختفاء صورتها خلف حجاب الغروب ، نادى إبراهيم عليهالسلام : (يَاقَومِ إِنِّى بَرىِءٌ مِّمَّا تُشرِكُونَ).
لقد فهم إبراهيم عليهالسلام من خلال مشاهدته لغروب الشمس وأفول النجم وغياب القمر ، بأنّ كل ما رأى ما هي إلّامخلوقات خاضعة لقوانين الخلقة كالأفول والغروب والتغيير ، وفهم بأنّ هناك قوّة خفية لا يعتريها التغيير والغروب والافول أبداً ، وهذه القوة تتمثل بالذات الإلهيّة المقدّسة.
* * *
وقال : إنّي وَجّهتُ وجهي إلى مَن خلق السماوات والأرض ، ولا أُذعن للشرك أبداً ، إنّي موحّد كامل التوحيد وعابد وعبد مخلص : (إِنِّى وَجَّهتُ وَجهِىَ لِلذَّى فَطَرَ السَّمَاواتِ وَالأَرضَ حَنيفاً وَمَا أَنا مِنَ المُشرِكيِنَ).
هل وقعت الحوادث الثلاثة في ليلة واحدة أم في ليلتين؟
قال بعض المفسّرين ـ نظراً لعجزهم عن تصوّر وقوعها في ليلة واحدة ـ أو في ليلتين ، فقد قالوا إنّ ظاهر الآيات يدل على أنّها تعاقبت في ليلة واحدة ونهار واحد وهذا ممكن تماماً ، لأنّ كوكب الزهرة يظهر منتصف الشهر وبوضوح في أوّل الليل ثمّ يأفل سريعاً ، ثمّ يظهر القمر بدراً من افق الشرق [والتعبير بـ «بازغ» يدلّ على أنّ القمر كان بدراً أو قريباً منه] وعندما يختفي القمر في افق الغروب لا تلبث الشمس حتّى تشرق ، وبهذا الترتيب تكون الوقائع الثلاث قد حصلت في ليلة واحدة ونهار واحد.
وهذا الأمر ليس مهماً ، المهم أن نعرف هو كيف يمكن لشخص مثل إبراهيم عليهالسلام وبهذه المكانة العلمية والعرفانية ومع الأخذ بنظر الاعتبار عصمة ومقام الأنبياء وحتى قبل بعثتهم ، أن يجرى على لسانه مثل هذا الكلام والذي يحمل في طياته شركاً ظاهراً؟
يمكن الإجابة عن هذا السؤال بطريقين :
الأوّل : بقرينة الآيات الواردة حيث يقول : (يَاقَومِ انّى بَرىِءٌ مَّمّا تُشرِكُونَ) يُفهم أنّه كان