بل إنّهم يتّبعون أوهامهم وظنونهم فقط : (إِنْ يَتَّبعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) (١).
«يخرصون» : ـ كما اشير سالفاً ـ مشتقّ من (خرْص) ويأتي بمعنى (التخمين) و (الكذب) لأنّ التخمين لا يصيب في أكثر الموارد ، وآية البحث تحتمل المعنيين.
وقد ورد هذا المضمون وبفارق يسير في الآية الخامسة التي تقول بعد ذكر انحراف عبدة الأوهام : (وَما يَتَّبِعُ أَكثَرُهُمْ إِلَّا ظَناً إنَّ الظَنَّ لَايُغنِى مِنَ الحقِّ شَيئاً) ، ثمّ تهدّد هؤلاء الظانين بتعبير ذي معنى كبير : (إِنَّ اللهَ عَليمٌ بِما يَفْعَلُونَ).
أجل ، إنّ الظنّ والوهم كالسهم في الظلام ، لا يمكن أن نصيب به الهدف ، ولو أصاب الهدف أحيانا فإنّه يكون محض صدفة ، من دون معرفة للهدف.
«الظنّ» : في اللغة يشمل كلّ ظنّ ووهم ، وإن أطلق أحياناً على اليقين أيضاً إلّاأنّ المراد في آية البحث هو المعنى الأوّل.
ومن الملاحظ إنّ اتّباع الظنّ ينسب إلى أكثرهم لا إلى جميعهم ، وقد لفت هذا المعنى نظر الكثير من المفسّرين.
فقال البعض إنّ (أكثر) هنا تعني الجميع (ولم يقم على هذا التفسير دليل).
ومن الأفضل : أن يقال إنّ الآية تقصد الغالبية الجاهلة التي تتأثّر بالأوهام الخاطئة وتتعرّض للشرك ، وتقابلها الفئة القليلة من رؤوس الضلال الذين يدعون الناس إلى الضلال (٢) على علمٍ منهم ، والأمل في الهداية موجود طبعاً في الفئة الاولى فقط والخطاب موجه اليهم.
كما احتمل البعض أنّ في (أكثر) إشارة إلى جماعة تتبع الظنّ والوهم طيلة حياتها ومن جملتها (الشرك) فهي تطفو فوق أمواج من الأوهام وحجب الظلام والخيال (٣).
__________________
(١) وفقاً لهذا التفسير تكون (ما) في «وما يتبع» نافية وفاعل (يتبع) هو (الذين) ومفعول (شركاء) أي أنّ المشركين لا يتّبعون في الحقيقة شريكاً لله تعالى (لأنّ الله لا شريك له وهؤلاء الشركاء من صنع الأوهام) ، ولكن احتمل جمع من المفسّرين بأنّ (ما) هنا إستفهامية فيكون معنى الجملة هو : أي شيء يتّبعونه من دون الله ويجعلونه شريكاً له؟ فهل هناك إلّاالظنّ؟ (النتيجة في الإثنين واحدة تقريباً). راجع تفسير مجمع البيان ؛ وتفسير الكبير ؛ والقرطبي ؛ وتفسير الكشّاف ؛ وروح المعاني في ذيل آية البحث وقد احتمل البعض أنّ (ما) هنا موصولة إلّاأنّه يبدو بعيداً.
(٢) ورد ما يشابه هذا المضمون في تفسير روح البيان ، ج ٤ ، ص ٤٥ ؛ وتفسير روح المعاني ، ج ١١ ، ص ١٠٣.
(٣) وقد ورد هذا الاحتمال أيضاً في تفسير روح المعاني.