الآية السادسة تُشبه الآية الثانية في مضمونها من جهات ، حيث تقول : (إِنْ هِىَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُم وَآبَاؤُكُمْ مَّا أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) وهذه الجملة توضّح هيمنة روح التقليد الأعمى على المشركين حيث اتّبعوا أسلافهم بعيون وآذان مغلقة ثمّ تضيف : (إِنْ يَتَّبعُونَ إِلَّا الظَنَّ وَمَا تَهوى الأَنْفُسُ).
والملاحظة الجديدة هنا هي عطف (هوى النفس) على (الظنّ) وهو تعبير كثير المعنى وفيه إشارة إلى أنَّ هذه الظنون الواهية تنشأ من هوى النفس الذي يجعل من الباطل حقّاً في منظارهم ، فهم إذن يعبدون أهواء أنفسهم في الواقع والأصنام الاخرى وليدة لها!
وعليه يكون مصدر الانحراف والضلال لديهم في الواقع أمرين : عدم الاستناد إلى اليقين من الناحية العقلية والعقائدية والتمسّك بالظنون والإنصراف عن فطرة التوحيد الصحيحة من الناحية العاطفية والإستناد إلى هوى النفس.
وهذه النقطة جديرة بالإهتمام أيضاً وهي أنَ (يتّبعون) و (تهوى) فعلان مضارعان ، ويعني ذلك أنّ هؤلاء يستمرّ اتباعهم للظنّ وهوى النفس ويتلونون كلّ يوم بلون جديد!
والملاحظ إنّ أوّل الآية تخاطب المشركين وآخرها تذكرهم باستخدامه ضمير الغائب (التفات من المخاطب إلى الغائب) وفي ذلك إشارة إلى أنّهم لا شأن لهم حتّى يستحقّون الخطاب.
أظهرت الآية السابعة والأخيرة الحقيقة نفسها ولكن في إطار جديد حيث تقول : (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِه آلِهَةً) (قُلْ هَاتُوا بُرْهانَكُم).
ولعدم امتلاككم دليلاً واضحاً وموجّهاً على الشرك فإنّكم مدانون.
ثمّ تقوم الآية بتوضيح الدليل على بطلان عقيدتهم وتقول : (هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِىَ وذِكْرُ مَنْ قَبْلِى) (١).
والتعبير بـ (ذكْر) بدلاً عن الكتب السماوية إشارة إلى أنّ جميع هذه الكتب عامل تذكير
__________________
(١) في هذه الآية استدلال بالدليل النقلي في حين استدلّ في الآيتين السابقتين بالدليل العقلي وبرهان التمانع (تدبّر).