يكتسب شيئاً فهو الكمال المطلق ، وعلى ذلك فإنّ الموجودات المتغيّرة والمتحرّكة تكون ناقصة حتماً فهي إمّا تفقد كمالاً ، أو أنّها تبحث عن كمال جديد ، والموجود الناقص لا يمكن أن يكون واجب الوجود.
٢ ـ الموجود المقرون بـ (الافول) معرّض للحوادث ، وكلّ ما كان معرّضاً للحوادث لا يمكن أن يكون قديماً وأزليّاً وواجب الوجود لاستلزامه الجمع بين (الحدوث) و (الأزلية) وبين هاتين الظاهرتين حالة من التضاد.
٣ ـ كلّ حركة تحتاج إلى محرّك من الخارج ، فإن كان ذلك المحرّك متحرّكاً فعلينا أن نبحث عن محرّك آخر حتّى نصل إلى وجود ليس فيه حركة مطلقاً.
٤ ـ الحركة ـ وخاصّة الحركة نحو الافول ـ دليل على أنّ عالم المادّة صائر إلى الفناء [وهو أصل الكهولة و (الأنتروبي) الذي سنشيرُ إليه] وكلّ ما كان مصيره الفناء لا يكون أبديّاً حتماً ، ومثل هذا الموجود لا يكون أزليّاً قطعاً ، وبذلك لا يمكن أن يكون واجب الوجود.
إنَّ كلّ واحدة من هذه الاستدلالات التي ذكرت يمكن أن تكون لها القابلية على استدلال النبي إبراهيم عليهالسلام بها ، ويمكن أن يكون كلام إبراهيم إشارة طريفة إليها جميعاً.
ينقل (الفخر الرازي) عن بعض المحقّقين : أنّ استدلال إبراهيم من السمو والشمول ما يجعله مورداً لاستفادة الخاصّة والمتوسّطين والعوام.
أمّا الخاصّة فانّهم يفهمون حقيقة (الإمكان) من (الافول) وكلّ موجود ممكن هو بحاجة إلى خالق ، وهذه السلسلة متّصلة حتّى تنتهي بالطاهر المنزّه من الإمكان ولا سبيل إلى ذاته ، كما نقرأ في قوله تعالى : (وأَنَّ إلَى رَبِّكَ المُنتَهَى). (النجم / ٤٢)
وأمّا المتوسّطون فانّهم يفهمون من الافول مطلق الحركة وأنّ كلّ متحرّك حادث وكلّ حادث محتاج إلى وجود القديم الأزلي ، وأمّا العوام فانّهم يفهمون الغروب من الافول ويشاهدون الشمس والقمر والكواكب تمحى وتضمحل عند الغروب وتزول سلطتها وحكومتها ، ومثل هذه الأشياء لا تصلح للُالوهية ، إذن جملة : (لا احبُّ الآفِلِينَ) كلام يستفيد منه (المقرّبون) و (أصحاب اليمين) و (أصحاب الشمال) وهذا أكمل وأوضح برهان (١).
__________________
(١) تفسير الكبير ، ج ١٣ ، ص ٥٢.