ومثل هذا الشيء ـ بالتأكيد ـ يكون أعلى من الخيال والقياس والظنّ والوهم ، وليس بمقدورنا تصوّر ذاته ، لأنّ الأشياء الممكن تصوّرها هي التي لاحظنا أمثالها أو تحصّلت بعد التركّب والتجزئة ، أمّا الشيء الذي ليس له أي مثيل فلا يتناوله الوهم والعقل أبداً ، ومعرفتنا تكون بمقدار أنّه موجود ونرى أفعاله وآثاره في عالم الوجود الواسع ، ومن هذه الأوصاف ندرك صفاته إجمالياً ، ولكن ليس بمقدور حتّى الأنبياء المرسلين والملائكة المقرّبين أن يدركوا حقيقة ذاته.
والإقرار بهذه الحقيقة هو آخر مرحلة في سلّم معرفة الإنسان لله عزوجل والحديث المعروف : «ما عرفناك حقّ معرفتك» (١) المروي عن النبي صلىاللهعليهوآله بيان لذروة العرفان البشري بالله عزوجل.
والدليل على ذلك واضح لأنّه كما ذكر في بحث أدلّة التوحيد هو وجود لا متناهٍ ولا نهاية له من كلّ جهة ، وكلّ ما سواه محدود ومتناهٍ من كلّ جهة ، ولذا لا يمكن قياسه إلى غيره ، وبما أنّ وجودنا وعقولنا وأفكارنا محدودة فإنّا لا نصل إلى كُنه تلك الحقيقة اللامحدودة أبداً.
استناداً إلى هذا التفسير فإنّ (الكاف) في (ليس كمثله شيء) تكون زائدة وللتأكيد (٢) ، أي لا يوجد شيء شبيه له أبداً ، نعم يمكن أن يفيض سبحانه من وجوده وعلمه وقدرته في عالم الممكنات ولكن مخلوقاته الممكنة ليست مثله أبداً.
ولكن بعض المفسّرين لم يعتبر (الكاف) زائدة وقالوا : مفهوم الآية هو (لا يوجد مثيل لله) أي أنّ (مثل) هنا تعني (الذات) كما نقول : مثلك لا يسلك هذا الطريق المعوج ، أي لا ينبغي لك أن تفعل هذا.
وقال البعض أيضاً : إنّ (مثل) هنا بمعنى الصفات ، أي لا يوجد موجود يتّصف بأوصاف الله.
__________________
(١) بحار الأنوار ، ج ٣ ، ص ١٤.
(٢) جاء في تفسير روح المعاني : إنّ بعض المفسّرين اعتبر (مثل) زائدة ولكن أشكل عليه أبو حيّان وقال : الإسم لايكون زائداً في اللغة العربية أبداً.