وقد جاء في تفسير القرطبي : إن الآية تشير إلى فرق النصارى من الملكية (أو الملكانية) والنسطورية واليعقوبية لأنّهم يقولون : أب وابن وروح القدس إله واحد (١).
ولكن الظاهر أنّه خطأ لأنّهم نسبوا هذه العقيدة إلى جميع النصارى في القول بالتثليث والتوحيد معاً.
والعلّامة الطباطبائي رحمهالله يقول : إنّ ثالث ثلاثة يعني أنّ كل واحد من هذه الثلاثة : (الأب والإبن وروح القدس ، هو إله ينطبق على كلّ واحد منها وهي ثلاث ذوات وفي الوقت نفسه ذات واحدة) (٢).
ولكن الآية تتحدّث في الظاهر عن غير هذا كلّه ، فالكلام يدور حول الاعتقاد بأنّ الله ذات ثالثة كفر ، أي ليس الإعتقاد بالآلهة الثلاثة موجباً للكفر بل جعل الله تعالى في عرض الموجودات الاخرى واعتباره الثالث من الذوات الثلاثة ، وبعبارة اخرى اعتبار (الوحدة العددية) له موجب للكفر (فتأمّل جيّداً).
وقد ورد بيان هذا المعنى بشكل لطيف في حديث عن أمير المؤمنين عليهالسلام حيث نقرأ بأنّ أعرابياً جاء إلى أمير المؤمنين في يوم حرب الجمل فقال : ياأمير المؤمنين أتقول : إنّ الله واحد؟
فحمل الناس عليه وقالوا : ياأعرابي أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسّم القلب؟ فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : دعوه فإنّ الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم ؛ ثمّ قال : «ياأعرابي إنّ القول في أنّ الله واحد على أربعة أقسام ، فوجهان منها لا يجوزان على الله عزوجل ، ووجهان يثبتان فيه ، فأمّا اللذان لا يجوزان عليه فقول القائل : واحد يقصد به باب الأعداد فهذا ما لا يجوز ، لأنّ ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد أما ترى أنّه كفر من قال إنّه ثالث ثلاثة ؛ وقول القائل : هو واحد من الناس يريد به النوع من الجنس فهذا ما لا
__________________
(١) تفسير القرطبي ، ج ٤٤ ، ص ٢٢٤٦ ، وقد جاء هذا المعنى أيضاً في تفاسير اخرى مثل روح البيان والمنار في ذيل آية البحث.
(٢) تفسير الميزان ، ج ٦ ، ص ٧٣.