ولا شكّ في أنّ الآية دليل على انحصار (الخلق) و (الأمر) في الله عزوجل (١) ، وعليه فإنّ الآية تبيّن (توحيد الخالقية) بوضوح.
ولكن وقع بين المفسّرين كلام حول المراد من (الأمر) ، فبعض فسّره بمعنى تدبير العالم والأنظمة والقوانين الجارية وذلك بقرينة الآيات الكثيرةالتي ورد فيها هذا المعنى نظير (فَالْمُدَبِّراتِ أَمراً). (النازعات / ٥)
والآية : (اللهُ الَّذِى سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجرِىَ الْفُلكُ فِيهِ بِأَمرِهِ). (الجاثية / ١٢)
الآية : (النُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِامرِهِ). (النحل / ١٢)
وآيات عديدة اخرى.
أمّا بعضهم الآخر فقد اعتبرها بمعنى الأمر التشريعي والدستور الإلهي المقابل للنهي ، فيكون معنى الآية : أنّ الخلق خاصّ بالله والأمر والدستور التشريعي يصدر عنه أيضاً ، مثل : (فَليَحذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَن امرِهِ). (النور / ٦٣)
وفي تفسير ثالث فُسّر (الأمر) بمعنى الإرادة مثل : (انَّ اللهَ بِالِغُ امرِهِ). (الطلاق / ٣)
وفي تفسير رابع فسّر عالم (الخلق) بعالم المادّة ، وعالم (الأمر) بعالم المجرّدات وذلك بقرينة قوله تعالى : (يَسالُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرّوحُ مِن امرِ رَبِّى). (الاسراء / ٨٥)
والواضح أنّ التفسير الأوّل من بين هذه التفاسير أكثر انسجاماً مع الآيات القرآنية الاخرى ومع آية البحث أيضاً ، لأنّ القرآن الكريم يريد أن يذكّر المشركين بهذه الحقيقة ، وهي أنّ الخلق وتدبير المخلوقات مختصّ بالله والشاهد على ذلك قوله : (رَبُّ الْعَالَمِينَ) في ذيل الآية ، وعليه فإنّ الأصنام لا دور لها لا في الخلق ولا في التدبير والربوبية ، فلماذا تعبد إذن؟!
* * *
__________________
(١) تقديم (له) على الخلق والأمر دليل على الحصر.