على أيّة حال فإنّ هذا الاحتمال واضح البطلان أيضاً ، لاستحالة (تسلسل العلل والمعلولات) منطقياً ووجداناً ، وسيأتي إيضاح ذلك بإذن الله.
وقد ذكر الكثير من المفسّرين تفسيرات اخرى للآية ، ترتبط بصورة أساسية بالهدف من الخلق وإن كانت بعبارات مختلفة وتفاسير متعدّدة ، حيث يقولون بأنّ المراد هو أنّ البشر لم يخلقوا دونما تكليف وأمر ونهي وثواب وعقاب ، ويعتبرونها نظير قوله تعالى : (أَفَحَسِبتُم أَنَّما خَلَقْنَاكُم عَبَثاً) (١). (المؤمنون / ١١٥)
ولكن بملاحظة ذيل الآية يضمحل هذا الإحتمال تماماً لأنّه تعالى يقول : (أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ) ، وهذا التعبير يدلّ على أنّ الجملة الاولى ناظرة إلى سبب الخلقة وعلّة ظهور الإنسان لا الغاية من خلقه ، وبعبارة اخرى أنّ الآية تلاحظ العلّة الفاعلية لا الغائية.
* * *
الآية الثانية تُشير إلى خلق السماوات وتعيد استدلال العلّة والمعلول هذا في مورد خلق السماوات والأرض وتقول : (أَمْ خَلَقُوا السَماواتِ وَالأَرضَ).
ويعني هذا أنّ السماوات والأرض حادثة دون شكّ لتعرّضها إلى الحوادث باستمرار وحدوث أنواع التغييرات عليها وكلّ شيء معرض للتغيير لا يمكن أن يكون أزلياً.
في هذه الحالة يجري السؤال عن خالق السماوات والأرض فهل هي خلقت نفسها؟ أو لا خالق لها أبداً وقد وجدت صدفة؟ أم أنّ خالقها هو البشر؟ وبما أنّ الإجابة عن هذه الأسئلة بالنفي ، يعلم أنّ لها خالقاً ليس مخلوقاً بل هو أزلي أبدي.
والملاحظ أنّ من بين هذه الاحتمالات يتوجّه الاستفهام الإنكاري إلى احتمال خالقية الإنسان للسماوات والأرضين فقط ، وذلك لان الاحتمالات الاخرى وردت في الآيات السابقة ، وعدم التكرار هو مقتضى الفصاحة والبلاغة.
__________________
(١) تفسير مجمع البيان ؛ تفسير الكبير ؛ تفسير القرطبي ؛ تفسير الميزان ؛ تفسير روح المعاني وتفسير روح البيان ؛ حيث ذكروا هذا المعنى كمعنى رئيس في الآية أو كاحتمال.