ألا إن نصر الله قريب الحصول ، مؤكد الوقوع ، ولكن في الوقت الذي يريده الله ، وبحسب مقتضى الحكمة الإلهية التي يعلم بها الله ، وقدّم الرسول في الرتبة لمكانته ، ثم قدّم قول المؤمنين ؛ لأنه المتقدم في الزمان والحدوث قبل قول الرسول صلىاللهعليهوسلم ذلك القول.
ترشيد الإنفاق
المال حصيلة الجهد الإنساني ، وأمانة عند صاحبه ، فلا يجنيه إلا من كسب حلال مباح ، ولا ينفقه إلا في موضع مشروع يفيد المالك والمجتمع. فإذا ما أنفق الإنسان ماله في طرق غير مشروعة وبذّر ماله ذات اليمين وذات الشمال ، خسر وندم ، وأضاع ماله ، وخان الأمانة ، ولم يرع حق الله في ماله.
والعاقل الرشيد الذي ينفق ماله فيما يجب عقلا وعرفا وشرعا ، ويختار الأفضل ، ويراعي الألزم والأوجب لمن يحتاج للنفقة ، وهؤلاء العقلاء الراشدون يسألون عادة عن وجوه الإنفاق السليمة وعمن هو أحق الناس بالنفقة ، وقد سأل جماعة من المؤمنين النّبي صلىاللهعليهوسلم عن مقدار ما ينفقون وعن بيان الجهة التي ينفقون فيها ، نفقة التطوع ، لا الزكاة الواجبة المفروضة. وكان أحد السائلين عمرو بن الجموح الأنصاري ، وكان شيخا كبيرا ذا مال كثير ، فقال : يا رسول الله ، بماذا يتصدق ، وعلى من ينفق؟ فنزلت الآية الكريمة في سورة البقرة :
(يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢١٥)) [البقرة : ٢ / ٢١٥].
ومعنى الآية : أيّ مقدار تنفقونه قليلا كان أو كثيرا من المال ، فهو لكم وثوابه خاص بكم ، ومن أفضل ما تنفقون العطاء للوالدين والأولاد والزوجات ؛ لأنهم