اللطف لهم والميل إليهم إلا بمقدار ما تقتضيه المصلحة العامة العليا ، ولا يناصر الأعداء ، أو يعمل ضد مصلحة أمته المؤمنة.
وهذا ما حذّر منه القرآن الكريم في آيات كثيرة ، وهدد المخالفين المتواطئين على مصلحة الأمة ومصيرها ، فقال الله تعالى : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (٢٨)) (١) (٢) [آل عمران : ٣ / ٢٨]. فلا تجوز موالاة الأعداء ومناصرتهم فهذا أمر ينفّر منه الشرع ولا يقره الدين في أي حال ، إلا في حال الخوف منهم واتقاء أمر يجب اتقاؤه كالقتل وقطع الأعضاء والضرب بالسوط والسجن والتهديد والوعيد وسائر أنواع التعذيب ،. وذلك إذا كان المرء في دار الأعداء ، فإذا داراهم الإنسان أحيانا باللسان فقط وتحاشى أذاهم ، فذلك أمر جائز شرعا ، ويكون المؤمن في هذه الحال مكرها ، والله تعالى يقول : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ). [النحل : ١٦ / ١٠٦].
وسبب نزول آية النهي عن موالاة الأعداء : هو ما قاله الكلبي : نزلت هذه الآية في المنافقين عبد الله بن أبيّ وأصحابه ، كانوا يتولون اليهود والمشركين ، ويأتونهم بالأخبار ، ويرجون أن يكون لهم الظفر على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، ونهى المؤمنين عن مثل فعلهم.
وهناك سبب آخر ذكره ابن عباس ، فقال : نزلت الآية في عبادة بن الصامت الأنصاري ، وكان بدريا نقيبا (٣) ، وكان له حلفاء من اليهود ، فلما خرج النبي صلىاللهعليهوسلم يوم الأحزاب قال عبادة : يا نبي الله ، إن معي خمس مائة رجل من اليهود ، وقد رأيت
__________________
(١) تخافوا من جهتهم أمرا.
(٢) يخوفكم الله.
(٣) أي حضر موقعة بدر الكبرى ، وحضر بيعة العقبة وكان أحد النقباء (العرفاء) الاثني عشر الذين اختارهم النبي عرفاء على قومهم.