وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (٧٩) وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (٨٠)) (١) [آل عمران : ٣ / ٧٩ ـ ٨٠].
وسبب نزول هذه الآية كما ذكر ابن عباس ، قال : إن أبا رافع القرظي قال للنبي صلىاللهعليهوسلم حين اجتمعت الأحبار من اليهود ووفد نصارى نجران : يا محمد ، أتريد أن نعبدك ونتخذك ربا؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «معاذ الله أن يعبد غير الله ، أو نأمر بعبادة غير الله ، ما بذلك بعثني ، ولا بذلك أمرني» فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال الحسن البصري : بلغني أن رجلا قال : يا رسول الله ، نسلّم عليك كما يسلّم بعضنا على بعض ، أفلا نسجد لك؟ قال : «لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله ، ولكن أكرموا نبيكم ، واعرفوا الحق لأهله» فأنزل الله تعالى هذه الآية.
فلا يصح لبشر امتن الله عليه بإنزال الكتاب ، والهداية إلى الحكمة والصواب في فهم ما أنزل الله عليه ، وإيتائه النبوة والرسالة ، ثم يطلب من الناس أن يعبدوه وحده ، أو يعبدوه مع الله ، فهذا هو الشرك بعينه ، ولكن يقول : كونوا أيها الناس ربانيين ، أي متمسكين بالدين ، مطيعين لله أتم طاعة ، بسبب كونكم تعلّمون الكتاب لغيركم ، وبسبب كونكم تدرسونه وتتعلمونه. ولا يعقل أن يأمر نبي باتخاذ الملائكة والأنبياء آلهة تعبد من دون الله ، فكل هذا كفر وفسوق وعصيان ، لا يتفق مع الإسلام ، والانقياد لله بالطبيعة والفطرة ، التي فطر الناس عليها.
ميثاق النبيين
إن الأديان المنزلة من الله تعالى واحدة في أصولها ، فهي متفقة على الدعوة إلى توحيد الله عزوجل ، وأصول الأخلاق والفضائل ، وأسس التشريع الناظم لمصالح
__________________
(١) تقرؤون الكتاب.