فمن تولى بعد هذا الميثاق المأخوذ قديما ، ولم يؤمن بالنبي المبعوث في آخر الزمان ، المصدق لمن تقدمه ، ولم ينصره ، فأولئك هم الفاسقون الخارجون من ميثاق الله ، الناقضون عهده.
ثم أنكر القرآن على أولئك الذين يطلبون غير دين الله الذي هو الإسلام ، ولله استسلم جميع من في السماوات والأرض ، وخضعوا له وانقادوا لتصرفه بالتكوين والإيجاد ، سواء طوعا واختيارا ، أم إكراها وجبرا ، ثم يكون المرجع والمآب إلى الله تعالى ، قال سبحانه : (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٨٣)) (١) [آل عمران : ٣ / ٨٣].
وسبب نزول هذه الآية هو ما قال ابن عباس : اختصم أهل الكتابين إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما اختلفوا فيه بينهم من دين إبراهيم ، كل فرقة زعمت أنها أولى بدينه ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «كلا الفريقين بريء من دين إبراهيم» فغضبوا وقالوا : والله ما نرضى بقضائك ولا نأخذ بدينك ، فأنزل الله تعالى : (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ ..) أي يطلبون أو يرغبون.
يفهم من الآية ميثاق النبيين أن دين الله واحد ، وإن تعدد الأنبياء ، فرسالات جميع الأنبياء تلتقي في جذع واحد ، وهو الدعوة إلى توحيد الله جل جلاله ، وتحقيق العبودية لله تعالى ، والحث على التمسك بمكارم الأخلاق ، والتزام الفضائل التي لا بد منها لصلاح الفرد والجماعة.
وإذا كانت رسالات الأنبياء واحدة ، فما على البشرية ولا سيما المؤمنون بالكتب الإلهية إلا أن يتحدوا ويتضامنوا تحت لواء واحد ، وينبذوا الفرقة والخلاف والتنازع على أي شيء في الدين ومصالح الدنيا.
__________________
(١) انقاد وخضع.