قال أهل الكتاب للنبي محمد صلىاللهعليهوسلم : كيف تدعي أنك على ملة إبراهيم وأنك أولى الناس به ، وإبراهيم وإسحاق والأنبياء بعدهم كانوا يعظمون بيت المقدس ، ويصلون إليه ، فلو كنت على ما كانوا لعظّمته ، ولما تحولت إلى الكعبة ، فخالفت الجميع.
وقال مجاهد : تفاخر المسلمون واليهود ، فقالت اليهود : بيت المقدس أفضل وأعظم من الكعبة ، لأنه مهاجر (١) الأنبياء ، وفي الأرض المقدسة ، وقال المسلمون : بل الكعبة أفضل ، فأنزل الله تعالى هذه الآية :
(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (٩٦) فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (٩٧)) (٢) [آل عمران : ٣ / ٩٦ ـ ٩٧].
دلت هاتان الآيتان على مكانة البيت الحرام وما تميز به من مميزات : أولها ـ أنه أقدم بيت وضع للعبادة ، والأولية في الزمان تستلزم الأولية في الشرف والمكانة. بناه إبراهيم وإسماعيل كما قال الله تعالى : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ). [البقرة : ٢ / ١٢٧].
ثم بني المسجد الأقصى بعد ذلك بعشرات السنين ، وقد جدّد بناءه بعد قرون سليمان بن داود.
سأل أبو ذر النبي صلىاللهعليهوسلم قائلا : «يا رسول الله ، أي مسجد وضع أول؟ قال : المسجد الحرام ، قلت : ثم أي؟ قال : المسجد الأقصى ، قلت : كم بينهما؟ قال : أربعون سنة» (٣).
الميزة الثانية ـ أن البيت الحرام بيت مبارك : كثير الخيرات والبركة المادية ، إذ هو بصحراء جرداء ، وتجبى إليه ثمرات كل شيء ، وتحمل إليه بضائع الدنيا ، وهو أيضا كثير البركة في الثواب والأجر.
__________________
(١) أي مواضع الهجرة.
(٢) بكة أي مكة.
(٣) أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي ذر.