والفئة الثانية : هم المحايدون الذين جاؤوكم أيها المسلمون ، وقد ضاقت صدورهم بقتالكم ، وأبغضوا أن يقاتلوكم ، ولا يهون عليهم أيضا أن يقاتلوا قومهم معكم ، بل هم لا لكم ولا عليكم ، وأعلنوا الحياد ، فلا يجوز قتالهم ، حفاظا على ما التزموه من الوقوف على الحياد والمسالمة أو الموادعة ، دون عدوان ولا اعتداء ، ودون انضمام إلى قوم معتدين.
وكل من هاتين الفئتين ينطبق عليه قول الله تعالى : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (١٩٠)) [البقرة : ٢ / ١٩٠]. وكان من رحمة الله وفضله أن سالم هؤلاء المسلمين ، وكفوا عن إيذائهم ولو شاء الله لسلطهم علينا بأن يلهمهم القتال ، فيقاتلوننا.
إن هؤلاء المجدّين في احترام السلم والموادعة أصحاب النية الحسنة ، هم الذين نحترم مبدأ المسالمة معهم ، أما غيرهم من أصحاب النوايا الخبيثة فينبغي الحذر منهم ، لذا نبّه القرآن الكريم بعد الآية السابقة إلى الحذر من طائفة مخادعة ، يريدون اللعب على الحبلين ، وإظهار المودة للمسلمين وللمشركين معا ، فقال تعالى : (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً (٩١)) (١) (٢) (٣) [النساء : ٤ / ٩١] أي حجة واضحة.
نزلت هذه الآية في قوم هم بنو أسد وغطفان كانوا يجيئون من مكة إلى النبي عليه الصلاة والسلام رياء ، يظهرون الإسلام ، ثم يرجعون إلى قريش فيكفرون ، ففضح الله تعالى هؤلاء ، وأعلم أنهم مذبذبون معادون ، يجوز قتلهم وقتالهم في كل مكان.
__________________
(١) أي إلى الشرك والضلال والاضطراب.
(٢) أي وقعوا في حمأة الكفر والشرك.
(٣) وجدتموهم.