فسلّم عليهم ، فقالوا : ما سلّم علينا إلا ليتعوذ منا ـ أي يحتمي ويتحصن ـ فعمدوا إليه ، فقتلوه ، وأتوا بغنمه النبي صلىاللهعليهوسلم ، فنزلت : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ ..) وفي رواية أخرى عند الثعلبي : أن أسامة بن زيد أو المقداد بن الأسود قتل رجلا من الأعداء بعد أن أعلن إسلامه ، فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم : «كيف لك بلا إله إلا الله غدا» وأنزل الله هذه الآية.
والمعنى : يا أيها الذين صدّقوا بالله ورسوله إذا انطلقتم في الأرض للجهاد ، فتمهلوا في الحكم على الأشخاص ، أهم مسالمون أم محاربون ، مؤمنون أم كافرون ، ولا تتعجلوا بقتل أحد ، ولا تقولوا لمن استسلم ولم يقاتلكم وأظهر أنه مسلم : إنك لست مؤمنا ، فأنتم مأمورون بالعمل بالظاهر ، والله أعلم بالسرائر.
وكأنكم باستعجال القتل تريدون الحصول على عرض الدنيا الفاني من المال أو الغنيمة ، فعند الله أرزاق كثيرة ونعم وفيرة لا تحصى ، وعنده خزائن السماوات والأرض ، فلا يليق بكم أن تفعلوا فعلا جنائيا أو عدوانيا ، وتتسرعوا في الحكم على ما في قلوب الناس ، وتتهموهم بالمصانعة والمداراة والخوف من السيف ، واذكروا تاريخكم في الماضي ، آمنتم سرا ، ثم أظهرتم الإسلام علنا ، فصرتم في عداد المؤمنين ، ومنّ الله عليكم بالأمان والاطمئنان ، إن الله بما تعملون خبير بصير ، يجازيكم على أعمالكم وأحوالكم كلها.
وكذلك الأمر في العلاقات الاجتماعية الداخلية يجب على المسلم التثبت في الحكم على الأقوال والأخبار ، قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (٦)) [الحجرات : ٤٩ / ٦].
سبب نزول هذه الآية أن النبي صلىاللهعليهوسلم بعث الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق