والشهادة بالحق على النفس والوالدين والأقارب أمر واجب ، ولو عاد ضررها على هؤلاء ؛ لأن الإحسان إلى النفس والقرابة وبرّ الوالدين ، لا يكون بالظلم والانحراف عن الحق ، بل الإحسان والخير والبر وصلة القرابة في الحق والمعروف.
وليس للشاهد أن يراعي غنيّا لغناه أو يرحم فقيرا لفقره ، بل يترك الأمر كله لله ، فالله يتولى أمر الغني والفقير.
وليس للشهود اتّباع الهوى والمحاباة ، لئلا يعدلوا عن الحق إلى الباطل ، إذ في الهوى والمحاباة الزّلل والضّرر ، فلا يجوز أن تؤدي العصبية وهوى النفس وبغض الناس إلى الظلم وترك العدل في الأمور والشؤون كلها ، وإنما الواجب التزام العدل على أي حال ، كما قال تعالى مبيّنا وجوب العدل حتى مع الأعداء : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ) (١) (عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى). [المائدة : ٥ / ٨].
وإن تلووا ألسنتكم بالشهادة وتحرّفوها أو تعرضوا عن إقامة الشهادة وتكتموها ، فاعلموا أن الله خبير بأعمالكم ومجازيكم عليها.
ثم أمر الله المؤمنين بالثبات والدوام على الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، دون تفرقة بين الكتب السابقة والقرآن العظيم ؛ لأن جميع الكتب الإلهية منزّلة من عند الله تعالى ، ومن يجحد وينكر وجود الله ووحدانيته ، ولا يصدق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، فقد ضلّ ضلالا بعيدا ، وانحرف عن جادة الحق ، ونور الهدى ، وخرج عن المطلوب خروجا شديدا وبعيدا كل البعد عن الصواب والسّداد.
__________________
(١) أي لا يحملنكم كراهية قوم على ترك العدل معهم.