وكفروا بعيسى عليهالسلام وبالإنجيل ، واتّهموا أمه مريم البتول العذراء الطاهرة بالفاحشة ، وزعموا أنهم صلبوا المسيح ، وما صلبوه وما قتلوه ولكن شبّه لهم ، وإنما أنجاه الله من أيديهم ، وتوفّاه ورفعه إليه ، والله قوي قاهر لا يغلب ، حكيم في صنعه وتدبيره وتقديره ، وظل الخلاف قائما بين المحاولين لأخذه أهو عيسى أم غيره؟ وما من أحد من أهل الكتاب قبل موته إلا ليؤمنن بعيسى إيمانا صحيحا لا انحراف فيه ، ويعلم أنه نبي بشر ، لكنه إيمان لا ينفع حينئذ ، ويوم القيامة يشهد عيسى عليهالسلام على من كذبه أو وصفه بغير حقيقته.
تحريم الرّبا وبعض الطّيبات على اليهود
إن مصدر التشريع في الأديان ومنبع بيان الحلال والحرام هو واحد غير متعدد ، وهو الله جلّ جلاله الذي يشرع لكل قوم ولكل زمان ومكان ما يناسب ويحقق مصالح العباد ، وقد تتفق الشرائع الإلهية في بعض الأحكام وهي الأحكام الأساسية المتعلقة بأصول العقيدة والفضائل والأخلاق ، كالإيمان بالله وحده لا شريك له ، والصدق والوفاء بالعهد ، وتحريم الظلم والرّبا والكذب والغدر والخيانة ، وقد تختلف الشرائع الإلهية في بعض الأحكام الجزئية ، كتحريم بعض المطعومات على من قبلنا ، وإباحتها في شرعنا ، والمؤمن حقا يؤمن بكل ما شرع الله وأنزل في كتبه على أنبيائه ورسله.
وهذا أنموذج من أحوال الوفاق والاختلاف بين الشرائع ، قال الله تعالى : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً (١٦٠) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦١) لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ (١)
__________________
(١) أي أخصّ وأعني المقيمين الصلاة ، وأمدحهم.