مبعثه ، وتصفونه لنا بصفته ، فقال رافع بن حريمة ووهب بن يهودا : إنا ما قلنا لكم هذا ، وما أنزل من كتاب من بعد موسى ، ولا أرسل الله بشيرا ولا نذيرا بعده ، فأنزل الله : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا ..) الآية.
لقد دعا جميع الرّسل والأنبياء ومنهم المسيح إلى توحيد الله وتمجيده ، فلا يصح أن يوصف أحد من الرّسل بأنه هو الله ، والله قادر على أن يهلك أي بشر ، فلا مالك ولا رادّ لإرادة الله تعالى في المسيح ولا في غيره ، ومن تنفذ فيه الإرادة الإلهية تقضي العقول بأنه ليس بإله ، والله هو مالك السماوات والأرض وما بينهما من المخلوقات ، والمتصرّف في كل شيء ، وجميع الموجودات ملكه وخلقه ، والله صاحب القدرة التامة المطلقة على كل شيء ، فكيف يكون المملوك المخلوق إلها خالقا؟ إن هذا لكفر صريح.
وإذا ادّعى أهل الكتاب أنهم أبناء الله وأحبّاؤه ، سئلوا : فلم يعذّبكم الله بذنوبكم في الدنيا والآخرة؟! وأنتم قد أقررتم أنه يعذّبكم. والتعذيب على الذنوب ينافي أنهم أبناء الله وأحبّاؤه ، فأنتم بشر كسائر الناس ، وأكرم الناس عند الله أتقاهم.
والله هو المالك المطلق والمتصرّف في السماوات والأرض وما بينهما ، وصاحب الملك يفعل في ملكه ما يشاء ، لا رادّ لقضائه ، ولا معقّب لحكمه ، وإليه مصير العالم بالحشر والمعاد يوم القيامة ، وجميع العباد عبيد له ، قال الله تعالى : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (٩٣)) [مريم : ١٩ / ٩٣].
وسيعذّب الله الكافر والعاصي بحق ، ويثيب الطائع المؤمن والصالح بفضل منه ورحمة. وتكرار جملة (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) للتأكيد وتقرير المعنى في الأذهان وهو أن المالك قادر على إهلاك المملوك.