(٦٥) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ (٦٦)) (١) [المائدة : ٥ / ٦٤ ـ ٦٦].
سبب نزول الآيات ما قال ابن عباس ـ فيما أخرجه الطبراني وابن إسحاق ـ قال رجل من اليهود يقال له : النباش بن قيس للنّبي : إن ربّك بخيل لا ينفق ، فأنزل الله : (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) وفي رواية أخرى سمي الرجل بأنه فنحاص رأس يهود بني قينقاع.
هذه الآيات تعداد لألوان من الكبائر ، ووصف لأقوال وأفعال في غاية القبح والإساءة ، والخزي والجرأة على الله تعالى ، وأشد هذه الأوصاف شناعة وسوءا وصفهم الله تعالى بما لا يتفق مع ميزان العقل ، ويأباه الواقع المشاهد ، إنهم وصفوا الله تعالى بأنه فقير وهم أغنياء ، وأنه بخيل في تعبيرهم المجازي : (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) وهو مجاز عن البخل والإمساك ، فردّ الله عليهم بالدّعاء عليهم بقوله : (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا) إنه دعاء عليهم بالبخل والنّكد والإمساك عن الخير ، فكانوا أبخل خلق الله وأنكدهم ، والرّد الواقعي : أن يدي الله مبسوطتان ، أي هو الجواد الواسع الفضل ، الجزيل العطاء ، الذي ما من شيء لأي مخلوق إلا عنده خزائنه ومنه الرزق وحده ، فهو المنعم المتفضّل.
وتالله أيها النّبي ليزيدن ما أنزل إليك من آيات القرآن الواضحات طغيانا ، أي تجاوزا للحدّ في الأشياء ، وكفرا ، أي تكذيبا ، أي أن نعمة القرآن تكون نقمة في حق أعدائك من اليهود وأشباههم ؛ لأنها تكشف زيفهم وتفضح أوضاعهم ، وكان من جزاء الله لهم على نكدهم وتمرّدهم إلقاء العداوة والبغضاء بينهم إلى يوم القيامة ، وإن تظاهروا بوحدة الصّف وتماسك الكلمة ، تحسبهم جميعا وقلوبهم شتّى ، فلا يهمنّك
__________________
(١) معتدلة ، وهم من أسلم منهم.