يعاجلكم بالعقوبة على ما تورّطتم به. وهذا معنى الحديث النّبوي الذي رواه الدار قطني وغيره عن أبي ثعلبة الخشني حيث قال النّبي صلىاللهعليهوسلم : «إن الله تعالى فرض فرائض ، فلا تضيّعوها ، وحدّ حدودا فلا تعتدوها ، وحرّم أشياء فلا تنتهكوها ، وسكت عن أشياء ، رحمة لكم غير نسيان ، فلا تبحثوا عنها».
ثم ذكر الله بعض الأمثلة الواقعية من سجل الأقوام السابقين ، وهم قوم صالح الذين سألوا عن مسائل ، ثم أهملوا حكمها ، فقال سبحانه : (قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ) أي قد سأل هذه المسائل المنهي عن السؤال فيها قوم من قبلكم ، فأجيبوا عنها ، ثم لم يؤمنوا بها ، فأصبحوا بها كافرين ؛ لأنهم لم يسألوا على وجه الاسترشاد ، بل على وجه الاستهزاء والعناد ، وكذلك الذين طلبوا إنزال المائدة من السماء من عيسى عليهالسلام ، ثم لم يؤمنوا به ولا برسالته. ومثل بني إسرائيل الذين سألوا عن أحوال البقرة المأمور بذبحها ، فإياكم أيها المؤمنون من أسئلة تكون سببا للتّشدّد فيشدّد الله عليكم ، فإن الدين يسر ، ولن يشادّ الدين أحد إلا غلبه ، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم ، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم ، واختلافهم على أنبيائهم».
حقّ التّشريع لله لا للنّاس
ليس لأحد من البشر في شريعة القرآن حق في التحليل والتحريم ، أو الإباحة والمنع ، وإنما الحق التشريعي في ذلك لله سبحانه منزل الشرائع ، ومبيّن الحلال والحرام ، والأنظمة والأحكام ؛ لأن التشريع الإلهي القرآني دائم خالد ، لا يتأثر بمصالح شخصية أو زمنية أو مكانية ، وإنما هو دستور الحياة الدائمة ، والمنهج الأمثل