الحق لهم : ماذا أجابت به الأمم من إيمان وطاعة وإقرار ، أو كفر وإنكار واستكبار وعصيان ، وهذا السؤال للأنبياء الرّسل إنما هو لتقوم الحجة على الأمم ، ويبتدئ حسابهم على نحو واضح بيّن.
فيجيب الرّسل على سبيل الأدب والذّهول بسبب هول الحال وعالم الحساب : لا علم لنا بالنسبة إلى علمك ، فأنت تعلم السّر وأخفى ، إنك أنت علام الغيوب ، أي ما خفي وغاب ، مثلما تعلم المشهودات الحاضرة المعروفة لكل إنسان ، فليس علمنا بكاف ولا محقق للغاية الكاملة مثل علمك الواسع المحيط بكل شيء.
قال ابن عباس ـ ورأيه الصواب ـ : معنى الآية : لا علم لنا إلا علما أنت أعلم به منا.
واذكر يا محمد حين قال الله تعالى لعيسى عليهالسلام معددا معجزاته ونعمه عليه : تذكّر نعمتي عليك وعلى والدتك حين أيّدتك بجبريل روح القدس عليهالسلام ، وجعلتك نبيّا داعيا إلى الله في صغرك وكبرك ، تكلم الناس في فراش المهد وأنت طفل صغير رضيع ، أنطقتك في هذه الحال حيث لا ينطق إنسان ، فشهدت ببراءة أمّك وطهارتها ، وكان ذلك معجزة بقدرة الله وتيسيره : (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠) وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (٣١)) [مريم : ١٩ / ٣٠ ـ ٣١].
ثم علّمتك التّوراة والإنجيل والعلم النافع الذي هو الحكمة ، وجعلتك قادرا على الكتابة والخط والفهم السّديد.
واذكر يا عيسى حين مكّنتك من صناعة الطيور وخلقها ، فتصوّر من الطين صورة كصورة الطائر ، فتنفخ فيها ، فتكون طيرا له روح وحركة بإذن الله وإرادته ، لا بقدرتك البشرية ، ولكنها معجزة تحققت على يديك ، كسائر معجزات الرّسل. والإذن