الله؟ والسؤال ليس لمجرد الاستفهام ، وإنما بقصد الإنكار والتوبيخ لمن ادّعى ألوهية عيسى ، فيرون تبرؤ عيسى من هذه النسبة أو الصفة ، ويعلمون أن ما كانوا فيه باطل محض البطلان ، لأن عيسى عليهالسلام يستجير من هذا الادّعاء قائلا : (سُبْحانَكَ) أي أنزّهك عما لا يليق بك ، من ادّعاء الشريك أو الابن والولد ، وليس هذا من شأني ، ولا مما يصح أن يقع مني أن أقول قولا لا حقّ لي بقوله ، فإن قلته على سبيل الافتراض ، فأنت تعلم قولي وما في نفسي ، وسرّي وعلانيتي ، ولا أعلم ما تخفيه من علومك الذاتية في نفسك ، إنك أنت المحيط بالغيبيات ، والحسّيّات المشاهدات ، ما كان منها وما سيكون.
لم أقل لهم إلا ما أمرتني به بعبادة الله ربّي وربّكم ، وإني عبد من عبادك مثلهم ، وكنت المراقب على أحوالهم ، أشهد على ما يفعلون ، وأمنعهم من القول الباطل ، وأطالبهم بقول الحق ، فلما توفّيتني أي قبضتني إليك ، كنت أنت المراقب لأعمالهم وأقوالهم ، الحافظ عليهم ، المحاسب لهم ، وأنت الشهيد على كل شيء ، فتشهد لي حين كنت فيهم.
وأنت يا ربّ المفوض في الأمور كلها ، تعذّب المسيء بعدلك ، وترحم المقصّر بفضلك ورحمتك ، وتغفر لمن تشاء بإرادتك ، فالملك ملكك ، وأنت القوي القادر على الثواب والعقاب ، الحكيم الذي لا تجازي إلا بحكمة وصواب.
قال الله : هذا يوم القيامة هو اليوم الذي ينفع فيه صدق الصادقين في إيمانهم وشهاداتهم وسائر أقوالهم وأفعالهم في الدنيا. وجزاء الصادقين جنات تجري من تحت غرفها وأشجارها الأنهار ، ماكثين فيها على الدوام ، ثوابا خالصا من الله ، والله راض عنهم رضا لا يغضب بعده أبدا ، وهم راضون عن الجزاء الذي أثابهم الله به ، ذلك الظفر هو الظفر العظيم الذي عظم خيره وكثر ، وارتفعت منزلة صاحبه.