ومعنى الآيات : الإخبار عن أن الأشياء كلّها بيد الله ، إن ضرّ فلا كاشف لضرّه غيره ، وإن أصاب بخير فكذلك أيضا لا رادّ ولا مانع منه. والضّرّ ـ بضم الضّاد : سوء الحال في الجسم وغيره ، والضّرّ ـ بفتح الضّاد : ضدّ النفع ، وناب الضّر في هذه الآية مناب الشّر ، وإن كان الشّر أعم منه ، فقابل الخير.
يخبر الله بأنه : إن يصبك أيها الإنسان ضرر أو شدة من ألم أو فقر أو مرض أو أي مصيبة تحصل ، أو حزن أو ذلّ ونحوه ، فلا صارف له عنك ولا مزيل له إلا الله تعالى ؛ لأنه القادر على كل شيء ، أي على كل شيء جائز أن يوصف الله تعالى بالقدرة عليه. وكذلك إن يحصل لك أيها الإنسان خير من صحة أو غنى أو عزّ ونحوه ، فهو أيضا من الله سبحانه ، لكمال قدرته على كل شيء ، ولأنه القاهر الغالب صاحب العزّة والمجد والسلطان ، والقاهر : أي المستولي المقتدر ، ولأنه سبحانه الحكيم في جميع أفعاله ، يضع كل شيء في موضعه المناسب له ، وهو عزوجل الخبير بمواضع الأشياء ، فلا يعطي إلا من يستحق ، ولا يمنع إلا من يستحق ، كما قال تعالى في آية أخرى : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢)) [فاطر : ٣٥ / ٢].
وفي مقابلته تعالى الخير بالضّر إشارة إلى أن ما يصيب الإنسان في الدنيا ليس شرّا ، بل قد يكون فيه نفع. وإذا كان الله تام القدرة والسلطان والتّصرف ، فلا سبيل للعبد إلا اللجوء إليه ودعوته رغبا ورهبا. والفوقية في قوله : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) فوقية استعلاء بالقهر والغلبة لا فوقية مكان.
ثم أيّد الله نبيّه محمدا صلىاللهعليهوسلم بشهادة هي أعظم الشهادات وأجلّها ، وأصحّها وأصدقها ، وهي شهادة الله بالحق بين نبيّه محمد وبين المشركين ، شهادة تدلّ على صدق النّبي صلىاللهعليهوسلم وتكشف حال أعدائه. وتتضمن هذه الآية أن الله تعالى يقال عليه :