فحينما أقام لهم الأدلة القاطعة على توحيد الله ووجوب عبادته وحده ، حاجّوه ببيان شبهاتهم في الشّرك ، فقالوا : إن تعدّد الآلهة لا ينافي الإيمان بالله ؛ لأن تلك الآلهة شفعاء عند الله ، وتمسكوا بتقليد الآباء ، فقال لهم : أتحاجّونّي وتجادلونني في أمر الله وأنه لا إله إلا الله ، وقد هداني إلى الحق ، ولا أخاف ولا أرهب الآلهة التي تعبدونها ولا أبالي بها ولا أخاف ضرّا ، إلا إذا شاء الله شيئا في أن يريدني بضرّ أو مكروه ، فإنه يقع حتما ، لأنه لا يضرّ ولا ينفع غير الله عزوجل ، ولأن الله أحاط علمه بجميع الأشياء ، فلا تخفى عليه خافية ، فلربما أنزل بي مكروها بسبب الدعوة إلى نبذ الأصنام وتحطيمها ، أفلا تتذكرون هذا وما بيّنته لكم فتؤمنوا وتبطلوا عبادة هذه الآلهة المزعومة ، وتنزجروا عن عبادتها ، وفي هذا إظهار لموضع التقصير منهم.
وكيف أخاف من هذه الأصنام التي تعبدونها من دون الله ، ولا تخافون إشراككم بالله خالقكم ، ما لم ينزل به حجة بيّنة بوحي ولا نظر عقل ، تثبت لكم جعله شريكا في الخلق والتدبير أو في الوساطة والشفاعة؟
فأي الفريقين : فريق الموحّدين وفريق المشركين أحقّ بالأمن من عذاب الله يوم القيامة ، وأجدر بألا يخاف على نفسه في الدنيا. إن كنتم تعلمون ، أي على علم وبصيرة بهذا الأمر ، فأخبروني بذلك ، وفي هذا دفع لهم إلى الاعتراف بالحق.
ثم أبان الله تعالى من هو أحقّ بالأمن والنّجاة والسّلام ، فقال : (الَّذِينَ آمَنُوا) أي الذين صدقوا بوجود الله ووحدانيته ، وأخلصوا العبادة لله وحده لا شريك له ، ولم يخلطوا إيمانهم بمعصية توقعهم في الفسق ، إنهم الآمنون من العذاب يوم القيامة ، المهتدون في الدنيا والآخرة.
ذكر ابن أبي حاتم عن بكر بن سوادة قال : حمل رجل من العدو على المسلمين ، فقتل رجلا ، ثم حمل فقتل آخر ، ثم قال : أينفعني الإسلام بعد هذا؟ فقال رسول