والرّد على هؤلاء المنكرين للوحي بأمر مشهور لهم ، لم يكذّبه العرب قاطبة ، وهو ما أمر الله به نبيّه محمدا أن يقول لهم : من أنزل كتاب التّوراة على موسى بن عمران؟ وأنتم تعترفون بالتوراة إذ قلتم : (لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ) [الأنعام : ٦ / ١٥٧]. والتوراة نور للمؤمنين ، وهداية للمسترشدين ، وأنتم يا بني إسرائيل تجعلون التوراة قراطيس ، أي قطعا تكتبونها من الكتاب الأصلي الذي بأيديكم ، وتحرّفون منها ما تحرّفون ، وتبدّلون منها ما تبدّلون ، وتقولون : هذا من عند الله ، أي في كتابه المنزل ، وما هو من عند الله. وأنتم أيضا تخفون دلائل نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم والبشارة به وبعض الأحكام التشريعية كحكم الزّنى ، فيجدر بكم أيها المشركون ألا تثقوا بأقوال المعادين للنّبي صلىاللهعليهوسلم عداء شديدا بقصد إبطال رسالته.
ويا معشر العرب علّمتم من الهدايات والتوحيد والإرشاد إلى الحق ما لم تكونوا عالمين به ولا آباؤكم ، وقد أصبح للعرب بالإسلام مجد وعزّة ودولة ، بعد أن كانوا قبائل شتى ، وفي جهالة عمياء.
ثم أمر الله تعالى نبيّه بالمبادرة إلى موضع الحجة والرّد الحاسم ، فقل لهم : الله تعالى هو الذي أنزل الكتاب على موسى ، وأنزل علي هذا الكتاب وهو القرآن ، ثم أمره تبارك وتعالى بترك من كفر وأعرض بقوله : (ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) أي ثم دعهم واتركهم في جهلهم وضلالهم يلعبون ، حتى يأتيهم الموت الذي يطوي صحيفة هؤلاء المعاندين المكابرين. ومعنى الخوض : الذهاب فيما لا تعرف حقائقه.
ثم أبان الله تعالى أوصاف القرآن بأنه كتاب كثير البركة والخير ، أنزله الله مؤيّدا لما تقدمه من الكتب ، ومهيمنا عليها ، يبشّر بالجنّة والثواب والمغفرة من أطاع الله ، وينذر بالنار والعقاب من عصى الله ، ويخوّف أهل مكة : أمّ القرى ومركز قطب الدائرة في العالم ، ومن حولها من سائر الناس ، من أحياء العرب ومن سائر طوائف