هذه الآيات الكريمات تبين خواص الوحي الإلهي وطبيعة الرسالة النّبوية وما تستلزمه من ضرورة التّبليغ وإعلام الناس. وفحوى الآيات : قد جاءكم أيها الناس في القرآن والآيات طرائق إبصار الحق والمعينة عليه ، وهي البينات والحجج التي اشتمل عليها القرآن ، وما جاء به الرسول من البراهين العقلية والنقلية التي تثبت لكم العقيدة الحقّة ، وتبيّن منهاج الحياة الأقوم ، وقوام النظام الأمثل ، وأصول الأخلاق والآداب.
فمن أبصر الحق فآمن فلنفسه ، ومن عمي عن الحق وضلّ وأعرض عن سبيله ، فعلى نفسه جنى ، كما قال تعالى : (فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) [يونس : ١٠ / ١٠٨]. إن وبال العمى عن الحق يعود على صاحبه ، ولست أنا نبي الله عليكم بحافظ ولا رقيب ، بل إنما أنا مبلّغ ومنذر ، والله يهدي من يشاء ، ويضلّ من يشاء بحسب ما يعلم من ميول الإنسان.
وكما فصّلنا الآيات في هذه السورة من بيان التوحيد وإثبات وجود الله الخالق المبدع ، هكذا نوضح جميع الآيات ونرددها ونفسّرها في كل موطن ، بسبب جهالة الجاهلين ، وليؤول الأمر بأن يقول المشركون والكافرون المكذّبون : درست هذا وقرأته على غيرك ، وليس ذلك وحيا من الله ، كما جاء في آية أخرى : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣)) [النّحل : ١٦ / ١٠٣].
وإنزالنا الوحي لنوضحه لقوم يعلمون الحق فيتّبعونه ، والباطل فيجتنبونه ، أي إن البيان إنما يفيد أهل العلم المدركين ، الذين يستخدمون بصائرهم في مدلولات القرآن. أما الجاهلون الذين لم يفهموا آيات القرآن ، فلا ينتفعون به.
وإذا كان الوحي لخير الإنسان وإرشاده ، فعليك أيها النّبي وأمتك اتّباع ما يوحى