بقدرة الله تعالى وعظمته. وهكذا كل طاعة أو مصلحة أدّت إلى معصية أو منكر أو مفسدة تترك. وكما زيّن الله للمشركين حبّ الأصنام والانتصار لها ، زيّن لكل أمة من الأمم سوء عملهم من الكفر والضلال ، فتلك سنة الله في خلقه ، يستحسنون العادات والتقاليد القبيحة عن تقليد وجهل ، أو عن معرفة وعناد ، والله يتركهم وشأنهم. وهذا التّزيين للمنكر والضّلال أثر لاختيارهم دون جبر ولا إكراه ، لا أن الله خلق في قلوبهم تزيينا للكفر والشّر ، كما زيّن الله في قلوب الآخرين الإيمان والخير. ثم قال تعالى : (ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) وهذا يتضمن وعدا جميلا للمحسنين ، ووعيدا ثقيلا للمسيئين.
ثم أوضح الله تناقض المشركين في أقوالهم وخيانتهم في أفعالهم ، فإنهم حلفوا أيمانا مؤكّدة بالله : لئن جاءتهم آية ، أي معجزة مادّية محسوسة ، وخارقة للعادة من الآيات الكونية التي يقترحونها ، ليصدقن بها أنها من عند الله ، وأنك رسول الله ، غير أنهم قوم معاندون ، فإذا جاءتهم الآيات أو المعجزات لم يؤمنوا بشيء منها. وردّ الله عليهم.
قل يا محمد لهؤلاء الطالبين آيات تعنّتا وعنادا وكفرا : إنما مرجع هذه الآيات إلى الله ، وهو القادر عليها ، إن شاء أتى بها ، وإن شاء ترككم فلا ينزلها إلا على موجب الحكمة. وما يدريكم إيمانهم إذا جاءتهم الآيات ، فهو لا يؤمنون بها ، لسبق علم الله أنهم لن يؤمنوا.
وما يدريكم أننا ـ نحن الله ـ نحوّل قلوبهم عن إدراك الحق ، والإيمان ، ونصرف أبصارهم عن إبصار الحق ، ولو جاءتهم كل آية فلا يؤمنون ، كما حلنا بينهم وبين الإيمان أول مرة حين أتتهم الآيات التي عجزوا عن معارضتها مثل القرآن وغيره ، لتمام إعراضهم عن إدراك الحقائق ، وما يشعركم أيضا أننا نذرهم ونخلّيهم وشأنهم