والمعنى : فامض يا محمد لما أمرت به ، وأنفذ رسالتك وأبلغ دعوتك ، فإنك إن تطع أكثر من في الأرض من الكفار والمشركين في أمور الدين ، وتخالف ما أنزل الله عليك ، يضلّوك عن دين الله ومنهجه وسبيله ، سبيل الحق والعدل والاستقامة ، لأنهم لا يتّبعون إلا الأهواء والظّنون الباطلة أو الكاذبة ، ولا يحترمون الموازين الفكرية والأدلّة العقلية ، وما هم إلا يحزرون ويخمّنون تخمينا عاريا عن الصحة والحقيقة ، كخارص (مخمن) ثمر النّخل والعنب وغيرهما ، فاعتقادهم قائم على الحدس والتّخمين ، لا على البرهان والدليل.
وإن ربّك عليم بالضّالّين عن سبيله القويم ، وعليم أيضا بالمهتدين السالكين سبيل الاستقامة ، وليس كما يزعم المشركون.
ثم أمر الله تعالى بأكل ما ذكر اسم الله عليه ، وأن يكون الأكل مقصورا على ذلك ، إن كنتم أيها المسلمون مؤمنين بآيات الله ، والحذر كل الحذر مما ذبح للأصنام والأوثان ولغير الله.
وأي شيء لكم في ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه ، وترك الأكل مما ذبح للأصنام ، فليس هناك شيء يمنعكم من هذه المآكل ، والحال أن الله قد بيّن لكم المحرّم عليكم وهي الميتة والدم ولحم الخنزير والمذبوح لغير الله كالأصنام والأنبياء والأولياء والزعماء ، لكن الذي اضطررتم إلى أكله مما هو محرّم عليكم ، فإنه يباح لكم ما وجدتم حال الضرورة. وإن كثيرا من الكفّار ليضلّون الناس بتحريم الحلال ، وتحليل الحرام ، بأهوائهم وشهواتهم الباطلة ، وبغير علم أصلا ، إنما هو محض الهوى ، والله أعلم باعتدائهم وكذبهم وافترائهم ، وسيجازيهم على هذا الاعتداء والتجاوز ، لا محالة.
ثم أمر الله تعالى بترك جميع الآثام والمعاصي المعلنة والسّرية ، سواء ما صدر عن الأعضاء كالسّرقة والغصب ، أو كان من أفعال القلوب كالحقد والحسد ، إن الذين