(١٣٠) ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ (١٣١) وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٣٢)) [الأنعام : ٦ / ١٣٠ ـ ١٣٢].
هذه الآيات تقريع للظالمين ، وتهديد شديد للكافرين من الجنّ والإنس ، وبيان حالهم يوم القيامة ، حيث يسألهم ربّهم ، وهو أعلم بما فعلوا ، قائلا : هل بلّغتكم الرّسل رسالات الله؟ يخبرونكم بآيات الإيمان والأحكام والآداب ، وينذرونكم لقاء يوم الحشر الرهيب ، وما فيه من الحساب والجزاء لمن يكفر بها ويجحدها؟!
فأجابوا عن السؤال ، وقالوا يوم القيامة : أقررنا بأن الرّسل قد بلّغونا رسالاتك ، وأنذرونا لقاءك ، وأن هذا اليوم يوم القيامة كائن لا محالة ، ونظير هذه الآية : (قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (٩)) [الملك : ٦٧ / ٩]. وهذا إقرار منهم بالكفر والتقصير.
وخدعتهم الحياة الدنيا بزينتها ومتاعها من الشهوات والأموال والأولاد وحبّ السلطة ورفعة الجاه ، ففرّطوا في حياتهم الدنيا ، وهلكوا بتكذيبهم الرّسل ، وإنكار المعجزات ، كبرا وعنادا.
وشهدوا على أنفسهم يوم القيامة أنهم كانوا كافرين في الدنيا ، بما جاءتهم به الرّسل عليهمالسلام.
ذلك الإرسال للرّسل وإنذارهم الناس سلفا ، وإنزال الكتب الإلهية في عالم الحياة الحاضرة ، بسبب أن من سنّة الله ألا يؤاخذ أحد بظلمه إذا لم تبلغه الدعوة الإلهية من طريق صحيح ، وألا تهلك الأمم والشعوب بعذاب الاستئصال وهم غافلون عما يجب عليهم ، بل لا بدّ من إرسال الرّسل إليهم ، كما قال الله تعالى : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) [فاطر : ٣٥ / ٢٤] ، وقال سبحانه : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) [الإسراء : ١٧ / ١٥] ، فالله لا يظلم أحدا من خلقه ، ولكن الناس أنفسهم يظلمون ، فمن