بنفع مادّي ، وهي مجردة من أجل الفضيلة ذاتها ، ولتحقيق السعادة الأبدية للناس قاطبة. أما المربّون البشر فهم متأثّرون بالجانب النفعي ، ولا تجد لديهم الحرص الشديد على تحقيق الثمرات والنتائج ، وإنما منهجهم الغالب : (قل كلمتك وامش). قال الله سبحانه مهدّدا كفار قريش بعذاب الاستئصال ومنذرهم بعذاب الآخرة :
(وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (١٣٣) إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (١٣٤) قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (١٣٥)) (١) [الأنعام : ٦ / ١٣٣ ـ ١٣٥].
أخبر الله تعالى عن نفسه بأنه (الْغَنِيُ) فهو غير محتاج إلى طاعة المطيعين ، ولا يتضرّر بمعصية المذنبين ، فإنه تعالى غني لذاته عن جميع العالمين ، لا تنفعه طاعة ولا تضرّه معصية ، ولا يفتقر إلى شيء من جهة من الجهات ، وهو سبحانه مع غناه ذو رحمة عامّة كاملة ، وقادر على وضع الرحمة في هذا الخلق أو في خلق جديد بديل عنهم ، ولكنه فوّض الأمر إلى خلقه على سبيل التهديد.
ومعنى الآيات : وربّك أيها النّبي هو الغني عن جميع خلقه وعن عبادتهم من جميع الوجوه ، وهم الفقراء إليه في جميع أحوالهم ، وهو مع ذلك ذو الرحمة الشاملة بهم ، كما قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) [الحجّ : ٢٢ / ٦٥]. وقال في بيان غناه : (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (١٥)) [فاطر : ٣٥ / ١٥].
إن يشأ الله يذهبكم ويستأصلكم أيها الكفار المعاندون في مكة وغيرها بعذاب الاستئصال الشامل ، كما أهلك من عاند الرّسل كعاد وثمود ، ويأت بخلق جديد
__________________
(١) أقصى ما يمكنكم.