وبّخ الله تعالى المشركين على ارتكابهم الفاحشة : وهي الفعلة المتناهية في القبح ، والمراد بها طوافهم حول البيت الحرام عرايا رجالا ونساء ، وملازمتهم لعقيدة الشرك والوثنية. وإذا عوتبوا في ذلك قالوا : نحن في هذا مقلدون للآباء ، متبعون للأسلاف ، وتوهموا أن ما يفعلونه طاعات ، وأن الله أمرهم بها ، مع أن تلك الأمور فواحش. وهذا أبطل الباطلات ، وقل لهم أيها النبي : إن الله لا يأمر بالفحشاء أصلا ، وإنما الذي يأمركم بذلك هو الشيطان.
وأما تقليد الآباء والأجداد فهو عمل ظاهر الفساد ؛ لأن لكل إنسان عقلا ووعيا يميز بين الصحيح والخطأ ، والهدى والضلال ، وليس الآباء حجة في التشريع ، ولا طريقهم أو منهجهم بمنأى عن الخطأ ، والتقليد في الأوضاع الفاسدة إلغاء للذات الإنسانية ، وإهدار للفكر والعقل البشري الذي منحه الله تعالى للإنسان ليميز به بين الخطأ والصواب.
وإذا أخطأ العقل ، وجد في الهداية الإلهية أو الوحي الرباني عاصما عن الخطأ ، ومرشدا إلى الصواب ، وموجها إلى الحق والحقيقة.
فإن الله لا يأمر إلا بالعدل والاستقامة والتوسط في الأمور ، ومن أوامره : إيفاء العبادة حقها ، والتوجه بكامل القلب وصحة القصد إلى الله وحده دون غيره عند كل صلاة ، وأداء العبادة في وقتها ، والإخلاص لله في العبادة من غير مراءاة ولا سمعة ، ولا إشراك أحد مع الله ، فإنه سبحانه وتعالى لا يتقبل عملا من الأعمال إلا إذا توافر فيه ركنان :
الركن الأول : أن يكون صوابا موافقا للشريعة ، والركن الثاني : أن يكون خالصا من الشرك بإدخال أحد من المخلوقات البشرية أو السماوية أو الأصنام شريكا في قصد العبادة والتعظيم. إن إخلاص الدين لله تعالى هو جوهر العبادة ، لأن مصائر