وتكميلا للمشهد أخبر الله تعالى عن أهل الأعراف : أنه إذا حولت أبصارهم نحو أهل النار من غير قصد ، فرأوا وجوههم مسودّة ، وأعينهم مزرقّة ، قالوا متضرّعين إلى الله تعالى : ربّنا لا تجعلنا مع هؤلاء القوم الظّالمين أنفسهم.
وهكذا ترى الفارق واضحا في نظرات أهل الأعراف ، فهم إن نظروا إلى أهل الجنة سلّموا عليهم ، وتاقت نفوسهم إلى اللقاء بهم ، وإن نظروا إلى أهل النار ، استغاثوا وتضرّعوا ألا يكونوا معهم. وهذا توقّع طبيعي.
حوار آخر بين أهل الأعراف وأهل النّار
في الآخرة ألوان متعددة من الحوار بين أهل الجنة وأهل النار ، وبين أهل الأعراف وأهل النار ، الغرض منها كما أخبر القرآن الكريم تبيان الحق لأهل الاستقامة ، ومعرفة الباطل لأهل الضّلالة ، وكل ذلك أخبر عنه القرآن المجيد سلفا في عالم الدنيا ليحتاط الإنسان ويكون على بيّنة من أمره. قال الله تعالى :
(وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (٤٨) أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٤٩)) (١) [الأعراف : ٧ / ٤٨ ـ ٤٩].
هذا لون من النداء أو المناظرة والحوار بين أهل الأعراف وأهل النار يراد به توبيخ الكفار وتأنيبهم على غرورهم وتكبّرهم واحتقارهم ضعفاء المؤمنين لفقرهم وحاجتهم.
وتصوير الحوار أن أهل الأعراف : وهم قوم من البشر مذنبون على أعالي السّور
__________________
(١) السّيما : العلامة.