بين الجنّة والنار ينادون رجالا من المشركين من أهل النار ، يعرفون كلّا منهم بسيماهم ، أي بعلامتهم : وهي سواد الوجوه وقبحها في أهل النار وما عليها من الغبرة ، وزرقة العيون وتشوية الخلقة ، قائلين لهم : أي شيء أغناكم عنه جمع المال ، أو اجتماعكم وكثرتكم ، واستكباركم عن الإيمان برسالة النّبي محمد صلىاللهعليهوسلم ، وتكبّركم على المستضعفين والفقراء من المسلمين كصهيب وبلال وآل ياسر؟ لم يمنع عنكم ذلك كله شيئا من العقاب ، ولا أفادكم شيئا من الثواب ، بل صرتم إلى ما أنتم عليه من العذاب والنّكال. وتبدّدت مزاعمكم التي كنتم تردّدونها أن من أغناه الله في الدنيا ، وجعله قويّا هو الذي له نعيم الآخرة ، وذلك في قول الله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٣٤) وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٣٥)) [سبأ : ٣٤ / ٣٤ ـ ٣٥].
ثم سألوهم سؤال توبيخ وتقريع عن حال المستضعفين الذين كانوا يضطهدونهم في الدنيا بسبب إيمانهم وإسلامهم كآل ياسر وخبيب وصهيب وبلال الحبشي ، فقالوا لهم : أهؤلاء الذين أقسمتم أو حلفتم في الدنيا ألا ينالهم الله أبدا برحمة لفقرهم وضعفهم وقلة أتباعهم ، وهم الآن في رياض الجنّة ونعيمها ويتمتّعون بخيراتها ، وغيرهم من جبابرة الكفار وزعماء الشرك يتقلّبون في حرّ جهنّم ويتلظّون في سعيرها.
أهؤلاء الضعفاء في الدنيا الذين حلفتم أن الله لا يعبأ بهم ، قيل لهم من الله أو من الملائكة : ادخلوا الجنة من غير خوف على ما يأتي ، ولا حزن على ما فات؟!
وأقسم أهل النار من المشركين : أن أهل الأعراف داخلون النار معهم ، فنادتهم الملائكة : إن أهل الأعراف الموقوفين على السّور يقال لهم : ادخلوا الجنّة ، لا خوف عليكم في المستقبل ، ولا يطرأ عليكم حزن في الحاضر ولا تأسّف على ما فات في الماضي.