لعلمهم بأن أهل الجنة يسمعون نداءهم ، وكأنهم يظنون أن أصحاب الجنة قادرون على نجدتهم والإشفاق عليهم ، وقد حكى القرآن الكريم خبر هذا النداء فقال الله تعالى :
(وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (٥١)) (١) (٢) (٣) [الأعراف : ٧ / ٥٠ ـ ٥١].
هذا مشهد من مشاهد أهل النار يوم القيامة ، يعبر عن سوء حالهم ، ويدل على مدى الذل والانكسار الذي يسيطر عليهم ، فيطلبون من أهل الجنة أن يمدوهم بشيء من الطعام والشراب ، طمعا في الفرج ، وأملا في النجاة. والأشنع على الكافرين في مقالتهم لأهل الجنة : أن بعضهم يرى بعضا ، وذلك أخزى وأنكى للنفس.
إنهم يطلبون من أقاربهم أن يفيضوا عليهم من الماء للإبراد ، أو مما رزقهم الله من الأطعمة والأشربة غير الماء. إنهم يستغيثون ويستجيرون مع علمهم بأنهم لا يجابون أبدا ، بسبب حيرتهم في أمرهم ، وشدة حاجتهم إلى الماء ، كما يفعل كل مضطر كالغريق وغيره ، يستنجد ويصرخ وهو يعلم أنه لا أمل في النجاة ، وأن اليأس هو الغالب.
ويؤكد ذلك أي فقد الأمل : أن أهل الجنة يبادرون إلى الجواب قائلين : إن الله تعالى منع الكفار شراب الجنة وطعامها.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : لما صار أصحاب الأعراف إلى الجنة ، طمع أهل
__________________
(١) صبوا.
(٢) خدعتهم بزخارفها.
(٣) نتركهم في العذاب كالمنسيين.