النار بفرج بعد اليأس ، فقالوا : يا ربنا ، إن لنا قرابات من أهل الجنة ، فأذن لنا حتى نراهم ونكلمهم ، فأمر الله الجنة فتزحزحت ، ثم نظر أهل جهنم إلى قراباتهم في الجنة وما هم فيه من النعيم فعرفوهم ، ونظر أهل الجنة إلى قراباتهم من أهل جهنم فلم يعرفوهم ، وقد اسودّت وجوههم ، وصاروا خلقا آخر ، فنادى أصحاب النار أصحاب الجنة بأسمائهم وقالوا : (أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ). وإنما طلبوا الماء خاصة لشدة ما في بواطنهم من الاحتراق واللهيب ، بسبب شدة حر جهنم.
ثم وصف الله تعالى الكافرين أهل النار بأنهم استحقوا النار لاتخاذهم الدّين لعبا ولهوا ، واغترارهم بالدنيا وزينتها وزخرفتها ، عما أمروا به من العمل للآخرة ، وجعلوا دينهم أعمالا لا تزكي الأنفس ولا تفيد ، بل هي لهو يشغل الإنسان عن الجد ، أو لعب لا يقصد منه فائدة صحيحة ، فهي كأعمال الأطفال.
إنهم اغتروا في حياتهم الدنيوية بالشهوات والزخارف والزينة واللذات من الحلال والحرام ، وسخروا بالدين وأهله ، وأعرضوا عن هدي الله في قرآنه ، فكان جزاؤهم أن يعاملوا معاملة المنسي من الخير ؛ لأن الله تعالى لا يخرج شيء عن علمه ولا ينساه ، ويتركوا في نار جهنم ، كما تناسوا لقاء الله ولم يعملوا له ، وأنكروا ما جاءت به الرسل وآيات الله. إن الله يتركهم في عذاب النار ، كما تركوا العمل في الدنيا للقاء الله يوم القيامة ، وكما جحدوا بآيات الله التنزيلية والكونية.
وقد سمى الله جزاء نسيانهم نسيانا من قبيل المشاكلة والمشابهة لأفعالهم ، كما في قوله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشورى : ٤٢ / ٤٠] مع أن الجزاء حق وعدل وليس سيئة ، والمراد من كل هذا أنهم يهملون ، وأن نسيان الله لهم معناه : أنه لا يجيب دعاءهم ولا يرحمهم ، وأن النسيان في قوله سبحانه : (فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ) هو بمعنى الترك ، أي تركهم في العذاب ، كما تركوا النظر للقاء الله يوم القيامة.