إباحة الطّيبات وتحريم الخبائث
أذن الله لعباده المؤمنين وغير المؤمنين أن يتناولوا الحلال الطيب المفيد الذي لا شبهة فيه ولا إثم ، ولا يتعلق به حق للغير مهما كان ، ونهاهم عن اتّباع الأهواء والشياطين الذين يوسوسون بالشّر ، ويزيّنون المنكر ، ويوقعون الناس في الإثم والضلال ، فالشيطان لا يأمر إلا بالقبيح ، فكل ما يأباه الطبع السليم والعقل الراجح وينكره الشّرع هو من أعمال الشيطان وأماراته ، فيجب الحذر منه وتجنّب ما يوهمه من الخير ، والشيطان يأمر الناس عادة أن يقولوا على الله ما لا يعلمون من أمور الشرع والدين ، قال الله تعالى مبيّنا هذا كما تقدّم :
(يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٦٨) إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (١٦٩)) [البقرة : ٢ / ١٦٨ ـ ١٦٩].
ثم أكّد الله تعالى في الآيات التالية إحلال الطّيبات بلا إسراف ولا تقتير ، وأمر عباده بشكر نعمة الله ، وإخلاص الشكر لله إن كانوا يعبدونه حقّا ، فذلك غذاء الروح ووفاء المعروف. قال الله سبحانه :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١٧٢)) [البقرة : ٢ / ١٧٢].
ثم أبان القرآن الكريم تحريم المضارّ والخبائث مما لا يفيد الجسم ، وإنما يضرّه ويؤذيه ، إما في صحته وعافيته ، وإما في روحه وعقيدته ، فقال الله تعالى : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ (١) (٢)
__________________
(١) أي ما ذكر عليه اسم غير اسمه تعالى ، والإهلال رفع الصوت بهذا.
(٢) ألجأته الضرورة لتناول المحرّم.