بسبب القتلى ، يقتصّ من القاتل بمثل ما فعل مع ملاحظة الأوصاف ، فيقتل الحرّ بالحرّ ، والعبد بالعبد ، والأنثى بالأنثى ، وعلى ولي القتيل أن يترك التّعدي على غيره كما كانت العرب تتعدى ، وتقتل بقتيلها الرجل من قوم قاتله ولو لم يكن قاتلا ، وعلى الحكام أولي الأمر تطبيق القصاص وإقامة الحدود ، بشرط ألا يتجاوز القصاص إلى اعتداء. ولولي الدم أن يعفو عن القصاص مجانا أو يأخذ الدية ، فذلك مباح ، فإذا عفا ولي الدم عن بعض الدم للقاتل أو عفا بعض الورثة عن القصاص ، سقط القصاص ووجبت الدية ، وحينئذ يطالب القاتل بالدية بالمعروف من غير شدة ولا عنف ، وعلى القاتل الأداء بالمعروف من غير مماطلة ولا تسويف.
وتشريع القصاص والدية والعفو عن كليهما أو أحدهما تخفيف من الله لنا ورحمة بنا ، فمن تجاوز ذلك وقتل بعد العفو والدّية ، فله عذاب مؤلم في نار جهنم. وفي تشريع القصاص حياة متحققة للجماعة ، فيرتدع سفّاكو الدماء إذا علموا أن من قتل غيره يقتل به ، ويمنع القصاص انتشار الفوضى والظلم في القتل ، ويتخلص الناس من عادة الأخذ بالثأر أو حبّ الانتقام ، وتمتنع الجريمة ويوضع الحدّ للشّر.
ثم ذكر الله تعالى حالة وجوب الوصية بقوله :
(كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ (١) إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (١٨٠) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٨١) فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨٢)) (٢) (٣) [البقرة : ٢ / ١٨٠ ـ ١٨٢].
فرض عليكم أيها المؤمنون حال ظهور علامات الموت بمرض مخوف أو حادث خطير ونحوهما ، إن ترك الواحد منكم مالا كثيرا لورثته ، أن يوصي للوالدين
__________________
(١) ترك مالا كثيرا.
(٢) ميلا عن الحق خطأ وجهلا.
(٣) ظلما عمدا.