الرشوة وأخذ أموال الناس بالباطل
المال قوام الحياة المعيشية ، وأساس تقدم الدول والجماعات ، فبه تنهض الأمة ، وهو المعوّل عليه في الحرب والسلم وبناء النهضات والحضارات. لذا صانه الإسلام ، وجعل تحرّكه وانتقاله بين الناس مرهونا بالحق والعدل ، فلا غشّ ولا غبن ولا ظلم ولا استغلال ولا اغتصاب ، ولا يجوز لأحد أن يأخذ مال أحد إلا بإذنه ورضاه ، قال النّبي صلىاللهعليهوسلم في حجة الوداع : «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام» «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه»
فالأموال لجميع الناس ، وقد قسمها الله بينهم قسمة عادلة لا جور فيها. ومن أهم القضايا التي تثار أمام المحاكم القضائية : قضايا المال والاقتصاد ، وإذا أصدر القاضي حكما في الدعوى أو الخصومة ، فإن حكمه لا يحلّ الحرام ولا يحرّم الحلال ، ويظل الواجب على المحكوم له أن يراقب الله تعالى ، ولا يأخذ من خصمه إلا الحق الثابت الشرعي الذي يطمئن إلى أنه ماله بحق ، قال سعيد بن جبير : إن امرأ القيس بن عابس وعبدان بن أشوع الحضرمي اختصما في أرض ، وكان امرؤ القيس هو المطلوب ، وأراد أن يحلف ، وعبدان هو الطالب ، فأنزل الله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٨)) (١) [البقرة : ٢ / ١٨٨]. فحكم عبدان في أرضه ولم يخاصم الخصم الآخر ، وتنازل له عن حقّه.
نهانا الله سبحانه في هذه الآية أن نأكل أموال بعضنا بالباطل وبدون وجه حق ، ونهانا أن نلقي بالأموال إلى الحكام مستعينين في ذلك بالدفاع بالباطل ، والآية تشمل أخذ مال الآخرين بغير حق بمختلف الوسائل ، كالرشوة والقمار ، والخداع
__________________
(١) تلقوا فيها بالخصومة (الدعوى) ظلما إلى الحكام.